الهيئة السعودية للتخصصات الصحية أمرها مُحيّر .. لجهة علاقتها مع المعاهد الصحية .. فالهيئة تشرف الآن على 122 معهداً منها 74 معهداً للبنين و48 معهداً للبنات، في مختلف مناطق المملكة ، ويبلغ عدد طلابها ما يزيد عن 28000 طالب وطالبة .. ونقول موقفها مُحيّر، لأن أمامنا الآن خريجين بعشرات الألوف مهددون بالانضمام إلى " قافلة العاطلين " في البلاد .. وهؤلاء الخريجون هم بالأساس التحقوا بالمعاهد الصحية، تحت سمع وبصر الهيئة، وبموافقتها، وهذه حقيقة معرفة للجميع. لماذا هؤلاء الألوف المؤلفة صاروا عاطلين، رغم أن كل واحد منهم درس وتعب وسهر لمدة سنتين ونصف، وحصل على دبلوم صحي ؟ .. لان وزارة الصحة قررت رفض الدبلوم تماما .. وتصر على ألا يعمل أي خريج بالمؤسسات الصحية، ما لم يكن حاصلا على شهادة البكالوريوس .. إنها قصة عجيبة تشبه لعبة " القط والفأر " بين المعاهد والهيئة والوزارة، والضحية هم أبناؤنا - بطبيعة الحال - هؤلاء الحاصلون على الدبلوم . أخشى أن ضحايا هذه الحكاية العجيبة، ليسوا محل اهتمام الهيئة، ولا مكان عناية وزارة الصحة، وهما الجهتان الرسميتان اللتان ظلتا تتفرجان على أبنائنا الطلاب، وهم يلتحقون بالمعاهد الصحية واحدا بعد الآخر وبينهم عدد كبير درس على حساب والده، بمبالغ مالية كبيرة، زادت رسوم كل واحد منهم عن خمسين ألف ريال، ثم بعد أن تخرجوا بشهادة دبلوم، جاء من يقول أن هذه الشهادة لا تصلح .. أي على كل خريج " أن يبلها ويشرب – مويتها " . المطلوب الآن من هؤلاء الخريجين المساكين هو أن يختاروا واحدا من أمرين، فإما أن ينكفئ الواحد منهم على نفسه ويرقد في قعر بيته، أو يتوجه للحلقة لبيع الحبحب مثلا .. أو أن يواصل دراسة البكلوريوس بمبالغ جديدة، وبرسوم دراسية لا تقل عن ستين ألف ريال ( لعدد كبير منهم ممن لم تقبلهم معاهد الحكومة ). بالله عليكم أي منطق هذا، وأي ورطة وقع فيها هؤلاء الطلاب الضحايا، الذين جاءوا يتراكضون لدراسة تخصصات مهمة وحيوية يحتاجها سوق العمل بالمملكة، سبق وان درسها زملاء سابقون لهم وحصلوا بشهادة الدبلوم على وظائف .. لكن هؤلاء المنكوبين بعد تخرجهم، لم تتحقق لهم الفرحة، وبدلا من الأهازيج و" زغاريد " الفرح، فوجئوا بأن أمامهم هذه " العثرة " المؤلمة تعترض مستقبلهم، وتسوّد الأيام في عيونهم، وتخلط أوراقهم، وتضعهم نهبا لأفكار وهواجس الله اعلم بها. لقد كان المنطق والصواب أن يتم توظيف كل خريجي الدبلوم، لأنه لم يكن وقت التحاقهم بالمعاهد شرط البكالوريوس هذا .. ثم إن أرادت وزارة الصحة أن تشترط البكالوريوس فليكن ذلك للطلاب الجدد، الذين يريدون الالتحاق بدراسة التخصصات الصحية الفنية، أما أن يلتحق أبناؤنا بالمعاهد ثم عند حافة تخرجهم، يأتي من يفرض عليهم شروطا جديدة، فإن هذا خارج المنطق والعدل، وأخشى أن يكون ظلما وجورا. العجيب أيضا قولها أن عدداً من الخريجين هم اقل من مستوى التطلعات، وأظن أن هذه إدانة للهيئة نفسها، والتي كان يتعين عليها متابعة المعاهد الصحية، فهي ليست دكاكين سرية، بل هي منشآت قائمة في واجهات شوارعنا، وكان يتوجب على الهيئة وغيرها من جهات الاختصاص، أن تزورها باستمرار، وتتعرف على طرائق التدريب والتدريس، وتتعرف على كفايات أساتذتها، وتطور معاملها .. لا أن تكتفي بالتفرج، والتنظير، وإصدار قرارات " تصدم " أبناءنا في مستقبلهم .. فمن يحل هذا اللغز المحير، وينصف كل الأطراف، ويحاسب كل مقصر ؟.