الكثير من مجتمعات الدول النامية تصاب بصعقة الاندهاش من سرعة التنامي المعلوماتي والتقني, وسبب الاندهاش صعوبة فهم فلاشات الاختراعات المبهرة, فكيف يكون الحال لاستيعابها وهضمها .. وهذه الصدمات الحضارية – إن جاز التعبير – التي تصيب الدول النامية سوف تستمر مادام البون شاسعاً بينها وبين الدول المتقدمة ..ولن تتوقف مع استمرارية الانفجار المعرفي والمعلوماتي والتقني الذي يشهده العالم .. إذ أن نسبة تزايد المعرفة البشرية في العقد الآخر فاق نسبة المعرفة لقرون طويلة .. فلم تعد الساعات الزمنية الحالية بذات الساعات الزمنية الماضية بل لم تعد الدقائق بذات الدقائق في فترات مضت خصوصاً وأن العالم وصل الآن إلى منعطف الفيمتو ثانية كما أعلن عنها الفريق العلمي برئاسة الدكتور المصري أحمد زويل, الأزمة الآن ليست أزمة قلة المعرفة .. كما يظن البعض, الأزمة الحقيقية هي أزمة وفرة وتزايد المعرفة وهذا ما أوقع سكان الدول النامية في صعوبة استيعاب ما يحدث في العالم من تطور مذهل في كل الجوانب الحياتية مما يصعب عليها أي الدول النامية ازدراد اللقمة الحضارية. وحتى تتمكن من الهضم لابد لها – كما يشير بعض المفكرين- من استيفاء الشروط الاجتماعية والذاتية من أجل القدرة على التكيف والتفاهم والتناغم مع المستجدات المعرفية, إلا أن المجتمعات المهزومة نفسياً بسبب عدم قدرتها على مجاراة غيرها .. لا تتمكن من استثمار طاقاتها وقدراتها في المشروع الحضاري الضخم ما لم تتخذ لها إستراتيجية تستند إلى القدرات العقلية والإمكانات المتاحة . فالتطور قادم لا محالة سواء شئنا أم أبينا والديناميكية لا تحتاج منا إلى فتح أبواب أو نوافذ .. فهي تأتي حتى من مسامات جلودتنا إلا أن دول العالم الثالث ومن بينها دول الوطن العربي تحتاج إلى استثمار إمكانياتها واستغلال طاقاتها البشرية والمادية والتغلب على هزائمها النفسية والتعاطي الايجابي والسليم مع التحولات الحضارية واستقراء الخريطة الفكرية الجديدة استشرافا للمستقبل . الحضارة الإنسانية لا تستقر في مكان واحد ولو كان لها كذلك لبقيت الحضارات القديمة والتي كان لها شأواً كبيراً في مواقعها السابقة إلا أنها أصبحت تاريخاً .. وهذا ما يتوافق مع نظرية ابن خلدون إذ يشبّه نمو الحضارات بأمواج البحر تارة تعلو وتارة تهبط ..إلا أن الأمة النابهة هي التي تستطيع تحديد اتجاه بوصلة التقدم وتسيّر مؤشرها لصالحها لتتبوأ قمة الهرم الحضاري والإنساني, ولنا في دول العالم شواهد حية .. اليابان مثلاً خرجت من حربها منهزمة مكسورة الأضلاع محطمة الأركان بعد حروبها الشرسة في البر والبحر .. ومن شاهد اليابان وقتها يظن أنه لا يقوم لها قائمة خصوصاً بعدما حرقت بالقنابل النووية ..إلا أن المارد الشرقي تمكن من ترميم جدران بيته وبناء أعمدة حضارية وخرج من القمقم ليدهش العالم بأسره بمنجزاته ومخترعاته. وكذلك الحال بالنسبة لألمانيا والتي بقيت تحت الحصار الدولي .. والآن أضحت الدولة الأقوى من بين دول قارة أوروبا .. بمعنى أكثر وضوحا إن الإرادة القوية والتعامل الفطن مع التطورات التقنية ستحيل المجتمعات المهزومة والمجتمعات النامية إلى مجتمعات منتجة مجتمعات تصّدر المعرفة.