سبق لي نشر مقال تطرقت فيه إلى نوع من الكتاب الصحفيين الذين إذا راجعوا إدارة حكومية في معاملة تخصهم أو تخص قريبا لهم أو صديقا فتم استقبالهم جيداً وأنهيت معاملاتهم على وجه السرعة سواء كانت نظامية أو غير نظامية فإنهم يكتبون مقالات تمتدح الإدارة التي زاروها، وما وصلت إليه من تطور مع كيل المديح لكل من تعاملوا معه في تلك الإدارة من المدير إلى الخفير، أما لو عوملوا معاملة عادية مثلهم مثل غيرهم من المراجعين فإنهم يكتبون مقالاً ساخناً يذمون فيه الإجراءات والمعاملة والتعقيد وما شاهدوه "على حد قولهم"، من زحام وفوضى وغيابات الموظفين، وأنه قد يصل الأمر ببعض الكتاب إلى درجة أنهم يمدحون ادارة في زيارة لأنهم رضوا عنها ويسخطون عليها في زيارة أخرى لأنهم لم يجدوا المعاملة نفسها أو حتى وجدوا المعاملة نفسها ولكن ما جاءوا من أجله لم يتم قضاؤه لهم لأنها غير نظامية، وربما استنجد كاتب صحفي بآخر ليحمل معه كتفاً في الهجوم والثناء على إدارة معينة دون حياء أو خجل وكنت أعتقد أن هذا السلوك الردئ موجود في بعض الكتاب الصحفيين فقط، لأن الصحف في هذه الحالة يمكن أن تقول أن ما نشر يمثل رأي الكاتب، ولكن يبدو أن الخلل امتد إلى بعض المراسلين والمندوبين الصحفيين التابعين لبعض الصحف، الذين قد يكون بعضهم متفرغاً للعمل في الصحفية مراسلا أو مندوباً أو متعاوناً معها بمكافأة مقطوعة، فقد ظهرت فئة منهم لا مانع لديها من التكسب في أعمالها الصحفية عن طريق الحصول على هدايا أو مكافآت من بعض الجهات أو من بعض الموظفين الإداريين في القطاع الخاص أو العام، على طريقة "اقلب الحق باطلاً، والباطل حقاً" فإذا حضر الإنسان حفلة وجد مجموعة منهم مرصوصين أمامه ويسمع من يهمس بأن تلك العصابة تابعون لجهة الاحتفال وإن الواحد منهم مثل هاتف العملة لا يعمل الا إذا وضعت فيه بعض النقود، فإن حصلوا على المعلوم حملوا طبول المديح للحفل ومن فيه، والجهة التي اقامته ونشروا كل ذلك بعناوين عريضة وعلى مساحات واسعة، "في اليوم التالي". وإن قرأت لقاءات صحفية متواصلة مع مسؤول أو أكثر من قبل تلك العصابة وأمثالهم وسألت عن سبب تكثيف الأضواء على ذلك المسؤول، أخبار ولقاءات وصور ولقطات، فإن الجواب هو: مكافأة شهرية تدفع لكل واحد حسب حجمه ووزنه من ألف وخمسمائة وانت طالع! أما إذا لم يعطوا إذا هم يسخطون! وأخذ كل واحد منهم يزاحم زميله في البحث عن أخطاء للجهة التي لم تدفع فإن لم يجدوا شيئاً مهما صوروا بابا مكسوراً أو عتبة من سلم الإدارة فيها شرخ أو منديل ملقى على الأرض باعتباره عنواناً للإهمال وعدم النظافة في رسالة منهم وعنوان يتضمن عبارة "ادفع بالتي هي أحسن"، ويصل الحال بهم وأمثالهم إلى حد أنهم يتداولون فيما بينهم أهمية مواصلة الهجوم على من لا يدفع، حتى يقال من منصبه، أما الذي يدفع .. الألف والنصف شهرياً وزيادة فإنهم إن سمعوا مجرد اشاعة عن امكانية تغييره بموظف آخر يأخذون في قرع طبول المديح له وإنه لا يوجد مثله في البلاد، ويخدمونه بأخبار جديدة مكثفة، الخبر الأول يسمونه قنبلة!! والثاني طلقة مدفع! والثالث بأنه خبر الموسم، مع انها اخبار فاشوش وهدفها مغشوش وهذه الفئة من العاملين في مجال الصحافة أشد وأنكى من أمثالهم من الكتاب الصحفيين، لأن الكاتب الصحفي إذا مال عن جادة النقد الهادف فإنه يفتقد المصداقية لدى القارئ والمسؤول في حدود مقالاته، أما هؤلاء فإنهم يفقدون الصحيفة التي يعملون بها المصداقية ووجودهم فيها بلاء عليها وعلى الصحافة وعلى الخبر الصادق وعلى الكلمة البناءة ومن المصلحة فإن على المسؤولين في أية صحيفة بها مثل هذه الفئة من المندوبين والمراسلين أن يتخلصوا منهم إلا أن يكونوا مثلهم وفي هذه الحالة ينطبق عليهم المثل القائل: البيض الفاسد يتدحرج على بعضه، وشبيه الشيء منجذب إليه، ومن حق الجهات الحكومية سواء كانت جهات منفذة أو مشرعة أو منظمة تجاهل ما ينشر في هذا النوع من الصحف لأنها بلا مصداقية ولا يمكن الاعتداد برأيها المبني على قاعدة "أدفع .. بالتي هي أحسن!!".