في بلادنا أعزها الله عرفنا دائماً أن الثقة في بعض مؤسساتنا الإدارية تمنح ولا تُعطى. لذا تظل الثقة هي العامل الأول والرئيسي للأسف الشديد في اختيار الرجل المناسب للمكان المناسب بغض النظر عن مؤهلاته وقدراته ومناسبته للمكان الذي قُدّر له أن يشغله. أما الكفاءة وحسن الأداء ولباقة التعامل مع الآخرين فهذه أمور لا ينظر لها وتظل تعاني تلك المؤسسات الكثير من التخبط والإرباك والازدواجية وإصدار القرارات العشوائية فصاحب القرار ليس واحداً. لذا نجد هذه الدوائر في الغالب الأعم مغلقة على عامليها فهي لا ترغب في التجديد أو حتى التطوير أو دخول عناصر جديدة متعلمة أو مثقفة داخلها، وتحبذُ توظيف طلاب الثانوية العامة لأنهم يُعينون على بند الأجور أو العمالة، وحينها يسهل ضبطهم والسيطرة عليهم أو تسريبهم من العمل دون أي اعتبارات تحكم توظيفهم أو طردهم من العمل ويظل مثل أولئك الرؤساء والمدراء في مأمنٍ تام في تحويل ما يريدون وتغيير ما يصبون إليه. هذه المؤسسات تُعاني من ندرة التقنية العلمية المدرّبة فالمسؤول يكفيه خريج الثانوية أو ما في مستواه دون الحاجة للبحث عن قدرات مؤهلة تكشف التلاعب بمصالح الوطن والمواطن. وفي هذه الدوائر المغلقة كما أسميها وأعنيها تنتشر المحسوبية والوساطة واللامبالاة واللامسؤولية وعدم الشفافية وكل شيء في أرشيفها سري لا يمكن الاطلاع عليه. فمثل هذه الاساليب لا تخدم مصلحة الوطن أو المواطن ولا يعنيها أن تبقى البطالة على حالها أو يصاب المتعلم الخريج حديثاً بحالة من اليأس أو الإحباط والبحث عن عمل يتناسب مع مؤهله يكفل له حياة كريمة وتكوين أسرة سعيدة. أما مزايا بعض الوظائف فهي في حصنٍ حصين لمن يُراد تكريمه أو تقديره أو عقد الثقة ويُعتبر هذا في نظر المسؤولين في تلك الإدارات بأنه المحنك على رأس اللجان وطرح المناقصات بشيء يكفل الدخل المناسب وحياة الرفاهية .. وبهذا هي حبيسة الأدراج حتى يتوفر الشخص المناسب لشغلها وأهم هذه الشروط الثقة الممنوحة لا الكفاءة المفروضة! ومما يؤسف الوطن والمواطن ويُحزن القلوب أن تظل بعض مشاريعنا لا ترى الواقع أو النور. إنها تعمل بطريقة شكلية رغم رصد الأموال الطائلة في الميزانيات على تشغيلها وصيانتها وحفظها من العبث ومن هنا نجد الكثير من مشاريعنا دون بنى تحتية وهذا ما ظهر أمامنا في سيول جدة الأخيرة وغيرها من مشاريع المياه والصرف الصحي أو الجسور المعلقة على كومة تراب هي الأخرى ذهبت بها الرياح والسيول. لا أعرف حقيقة كيف تُمنح الثقة لشخص واحد بمئات الملايين وتُعطى الصلاحية لهذا الموظف أو ذاك من أصحاب المراتب والمؤهلات المتدنية بمجرد حصوله فقط على ثقة الرئيس المرهونة هي الأخرى بالرضا عنه وتطويعه لرغباته وأوامره بالصرف على هذه المشاريع أو تلك. فالمقاول يظل للأسف مع الإدارة وموظفيها ولذلك تراه يداوم دوماً مع الموظفين في تلك الإدارات ليبقى مسماه دائماً متعهد الإدارة على مدى سنين طويلة وبقاؤه مرهوناً ببقاء المدير أو المسؤول حتى تغمض عيناه .. إلى متى نمنح الثقة ولا نوفر الكفاءات في مسؤولينا ومدرائنا. إلى متى تظل البطالة مسيطرة على شبابنا المتخرج من الجامعات أصحاب القدرات والكفاءات واللغات؟ هل نضعهم على أرفف لوقت الحاجة لهم. وهناك سؤال آخر أوجهه لكل مسؤول اليوم هل الوطنية لباس نرتديه عند الحاجة ونخلعه عند توقيع العقود والمناقصات والمشاريع؟ متى نحقق لهذا الوطن النزاهة لشبابنا والعمل المناسب الذي يكفل لهم العيش الكريم؟ إلى متى لا تستأصل الأجهزة الرقابية والمتخصصة انحرافات الوسط الإداري حتى تصبح حقوق المواطن مكفولة بالرعاية والاهتمام من مؤسسات المجتمع المدني؟.