كم هو جميل أن يقضي المرء بضعة أيام في رحاب مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي له مكانة تاريخية ودينية بارزة عبر التاريخ الإسلامي ، يكسر من خلالها النمط الذي أعتاد عليه ليعود إلى بلدة بنشاط وحيوية ، وتعطيه تلك الزيارة الدافع بأن ينجز أعماله بأفضل ما يمكن ، والحمد لله أن كُتِبَتْ لي هذه الزيارة في الأسبوع الأول من هذا الشهر برفقه العائلة ، فهذه الزيارة ليست مجرد زيارة كغيرها من الزيارات التي نقوم بها لمدن وبلدان أخرى ، فهي مختلفة كل الاختلاف لأن الهدف منها شد الرحال لمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عليه الصلاة والسلام : "خير ما ركبت إليه الرواحل مسجدي هذا والبيت العتيق" وزيارة قبره الشريف وصاحبيه أبوبكر وعمر رضوان الله عليهما ، وزيارة بقيع الغرقد حاضن الأجساد الطاهرة ، والذي دفن فيه ما يقارب عشرة آلاف صحابي أولهم الصحابي المهاجر عثمان بن مظعون رضي الله عنه ، وقد وردت أحاديث عدة في فضل البقيع وزيارة رسول الله صلى الله عليه وسلم له والدعاء لمن دفن فيه ، ومنها أن رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام كان يخرج من آخر الليل إلى البقيع فيقول "السلام عليكم دار قوم مؤمنين ، وأتاكم ما توعدون ، غدًا مؤجلون ، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد". ومسجد قباء الذي شارك النبي عليه الصلاة والسلام في بنائه ، وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : من تطهر في بيته ثم أتى مسجد قباء فصلى فيه صلاة كان له كأجر عمرة وشهداء أحد ، فهذه المنطقة الجغرافية المحدودة المعالم المتعددة الآثار لها مكانه متميزة في القلوب كونها أول عاصمة للدولة الإسلامية ، ومنطلق الدعوة والفتوحات ، وثاني أقدس الأماكن الدينية لدى المسلمين بعد مكةالمكرمة. وقد رأيت ما كنت أسمع عنه من تنظيم في شتى المجالات بمدينة المصطفى صلى الله عليه وسلم ، وأعجبت بما شاهدت ، وتمنيت وأنا أتجول في المنطقة المركزية وما تحتويه من مباني سكنية "فنادق" تقوم على ارتفاع موحد كأنها لؤلؤ منظوم ، وشوارع ذات سفلته ممتازة ، ونظافة دائمة ، وإضائه وهاجة أن تسير باقي مدن المملكة على ذلك التنظيم الراقي ، ومهما كتبت وتحدثت عن الآلية التي تسير عليها الإدارات الحكومية والمنشئات الأهلية لن أستطيع أن أوفي المسئولين بالمدينة المنورة حقهم ، فبالفعل تحس أنهم رجال يعرفوا معنى الأمانة التي يحملوها ، ويقومون بواجبهم الوظيفي بالشكل المطلوب وعلى أكمل وجه ، قال بعض العُبّاد - إنَّ لله عبادًا عَقَلوا ، فلمّا عَقَلوا عمِلوا ، فلمّا عمِلوا أخلَصوا ، فاستدعاهم الإخلاصُ إلى أبوابِ البرِّ جميعًا - جعل الله ذلك في موازين حسناتهم ، وجزا ولاة الأمر عنا وعنهم كل خير . همسه : المرء أصل كل ما يفعل. ومن أصدق من الله قيلاً "فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا".