الكثير من الناس في غفلة عن معرفة تكوينهم وانهم من تراب وسوف يعودون اليه بعد خروجهم من كبريائهم و(تورمهم) على خلق الله والشواهد على ذلك الحال لا عد ولا حصر لها حينما يقفز بعض الاقزام على الاعناق الذي لا يعرف اصحابها الكيد والتعامل بأسلوب النفاق ولا حتى بالاحتكاك والجدال مع أولئك في اية قضية يخسرها اصحابها دون البحث عن مكاسب التواضع في الدنيا والآخرة. واصحاب الغرور و(النفخه الكدابه) يؤكدون بصفة دائمة إصابتهم بمرض جنون العظمة وعلل انفصام الشخصية. لانهم يرون انهم من اهل الوجاهة ولابد من التعامل معهم بأدب رفيع واسلوب بديع واحترام خطواتهم المتباطئة وشموخهم فلا يرون ما تحت اقدامهم والتحسب من إلغاء اسمك ورسمك من محيط الكرة الارضية بفكرة تخامر عقولهم بضرورة موت الاحياء ودفنهم بلا قبور! ذلك الشعور هو صدى لهمس يزدحم في طيات النفوس التي تعرف قدرها فلا تبوح عن تلكم النماذج لا بالكلام ولا بالاشارة اليها بالملام لئلا تزلزهم احلام اليقظة فتتهاوى الصخور امامهم لتحذيرهم بعد احتراق الزهور امامهم فيصبح شذاها دخانا خانقا تخترقه لغة الثناء المعطوب.. وتضطرب فيه مجاملات التحية والابتسامة وقد اسقطت قيمتها باختيارها طمعا في اقترابها من تلك الندادة المتعفنة لتتساوى معها في القيمة والقامة. وتلك الطباع لها افرازات قاتمة ترى بها كل الاشياء مشوهة وعلى غير حقيقتها لان ما يرضيها محسوب عليها وليس لها وابطالها في صمم وعماية عن اعتبارات النهاية وكيف اننا نودع موتانا الى قبورهم ولا نتعظ من مثل هذه المواقف فتعمل على اصلاح عيوبها وتستغفر الله من ذنوبها قبل ان تتثاقل بالإثم والخوف من سوء المصير. وسلامة الانسان من المهالك تبدأ بسلامة الوعي لاختيار احسن المسالك والعمل بنقاء السريرة وطهارة الضمير والتحسب لنهاية حتمية وخطايا تطاردنا والى ما بعد مثوانا الاخير. لان الذكرى تنفع المؤمنين فعلينا ان نردع نفوسنا عن ان تتعاظم بما لها وجاهها وان تجتمع ارادتها لتصفية حساباتها مع من تحب ومن تكره لتكون الاقرب الى مراتب التواضع والتسامح قبل ان تنتقل بها الاهواء والشهوات من حيرة الى حيرة ومن مجهول الى مجهول واختلاطات شتى ومن منا لا يريد ان يتبرأ من ذنوبه ويغتسل من عيوبه وردع نفسه من تعاليه وبغضائه وكبريائه حينما يرى الناس بعيون نقصه اقل منه شأنا وادنى قيمة بمزاعمه الخاطئة بأن من يقترب اليه بنقاء سريرته يحاول استغلال ثروته وسرقة وجاهته وهو لا يعلم بانها قد تتغير اسمائها في لحظة صمت مهيب وهنا يعلن العقل غيابه عن اليقين بالحقيقة التي لا مفر منها. ومن يصدق نفسه وتتوال اساءاته باحتقار الآخرين وتجدها في سوء استقباله مع كل من يصفقون له ويتعاملون بنفس اسلوبه وبصفتهم يتأسون بقدوتهم وكلهم يحيونك في اي لقاء بمصافحة سهام عيونهم وكأنك من اوبئة هذا العصر. وهنا لابد ان تتوقف مع هذه النماذج المتحررة من كل القيم والآداب فلا ترى غير صور مشوهة حتى وان تأنقت بمظهرها واعجابها به فان ألوانها مترمدة واولها رداء سريرتها الاسود فما عليك الانسحاب من الغم وذلك الهم. القاهرة