ظلال شك ** يصل الإنسان أحياناً الى مرحلة من التسامح بل والرضا تجاه كل ما يلقاه من عنت وتعب ممن كان يوماً – ما – صنوه في الاخاء والارتباط وصدق المشاعر والاحساس به كإنسان له مصداقية ومكانة في نفسه، فهو يصل مع هذا كله الى مرحلة التسامح "الفذ" فعندما قال الشاعر: يقول الناس إنك خنت عهدي ولم تحفظ هوايا ولم تصنِّي وأنت منايا أجمعها مشت بي إليك خطا الشباب المطمئن كان يصور هذا اللامعقول في الانصهار مع من يقف بجانبه أو في مواجهته أو هو الطرف الثاني من نفسه وهذا يفسره البيت الآتي من القصيدة المكتوبة بعصب القلب. يكذب فيك كل الناس قلبي وتسمع فيك كل الناس أذني وكم طافت عليَّ ظلال شك أقضَّت مضجعي واستعبدتني وهنا يبرز مدى الاحساس الصادق الذي لا يعترف بوشايا الواشين رغم كل ما يسببه ظلال الشك من إقضاض للمهاجع أو عدم ارتياح للمضاجع، لكن السؤال هو هل بقي الآن في هذا الزمن اللاهث و"المادي" شيء من هذا العتاب الراقي بل الدامي، وهل ظل هذا الصدق في التعبير والاحساس العميق الذي يتفاعل في جوانح اولئك الصادقين الذين يعطون من انفسهم عصارة تذاوبهم وولهم الصادق، انني اكاد أشك في كل هذا، ان الاحساس في صياغة الكلمة هو الذي يحدد مدى تفاعلها مع المتلقي لها وهذا هو ما اصبحنا نفتقد اليه دائماً. ان التعمق في حياة الناس والالتصاق بهم يعطيك قناعة تامة بأن هناك للحياة وجهين واحد نراه ونعايشه ونتعامل معه، وآخر لا نراه وان كنا نحس به ونكاد نلمسه ولكنه يظل في علم الغيب هذا هو الانسان بوجهيه بخيره وشره بصدقه وكذبه، وبحلوه ومره، لهذا قال الشاعر: وكم طافت عليَّ ظلال شك أقضَّت مضجعي واستعبدتني