المتعارف عليه أنه في مراحل التقدم والرقي هناك دوافع اجتماعية ترتقي بالمجتمع المدني ليكون نموذجيا على جميع الأصعدة وفي المجتمعات المتقدمة يمثل العمل التطوعي جانبا هاما يعكس أخلاقيات وسلوكيات أفراد المجتمع لتكتشف بأن للمدن رونقها وللطرق آدابها وللأنظمة احترامها. خذ على سبيل المثال في لندن تقوم مجموعة من الأمهات بالتناوب اليومي لمرافقة أبنائهم في الحافلة المخصصة لإيصالهم إلى المدارس تطوعا منهم وحرصا على سلامة كل الطلبة وانظر كيف تكون المشاركة التعاونية في هذا الشأن العام , والأمر لا يختلف عند متطوعي تنظيف الشواطئ والطرقات والقائمين بأعمال مكتبات الحي والمهتمين بشؤون الحدائق العامة وغيرها من الأنشطة الحيوية , إنهم يقومون بهذه الأعمال الجليلة إحساساً منهم بدورها المهم .. ومجتمعاتنا ولله الحمد تنعمُ بمثل هذا وإن كان ذلك في حدود ضيّقة حدّ من توسعها ظروف عدة لا تخفى عليكم إلا أن بذرة التنشئة الصالحة ولله الحمد قد زرعت في أنفسنا حب عمل الخير والإقبال عليه وخير شاهد على ذلك ما برهنت عنه حادثة جدة المأسوية من تجذرٍ للجانب الإنساني والتطوعي في كافة شرائح المجتمع وخاصة لدى الشباب والشابات وهي مبادئ غرسها ديننا العظيم في شخصية الإنسان المسلم لذلك لم نستغرب ذلك العطاء الجميل قال صلى الله عليه وسلم "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" لقد هبّ شباب وشابات المجتمع لمساعدة إخوانهم المنكوبين وقدموا لهم يد العون والمساعدة ضاربين للعيان أروع المٌثل في الشهامة والأصالة وقد جاءت مواقفهم النبيلة في لحظة مفصلية في ظل تقاعس عدد من وجهاء البلد ممن عزّ عليهم رد الجميل لوطنهم الذي لم يبخل عليهم بشيء . وحول هذا الأمر أرى بان لهذه البوادر الطيبة مردود إيجابي سيسهم في مضاعفة تكافلنا الاجتماعي على نطاق أوسع متى ما أحُسن التنظيم لأعمال هذه الفئات التطوعية. ماذا لو تم تقنين هذا العمل كأن يكون ضمن لجان ثابتة تقوم بمساعدة المحتاجين للعون متى ما دعت الحاجة لذلك وماذا لو هيئ لها هيكل تنظيمي وصناديق داعمة .. مؤكد أن الأمر سيعود بالنفع الكبير على أفراد المجتمع فالمعروف أن بلادنا مترامية الأطراف والجمعيات الخيرية وإدارات الكوارث مهما اجتهدت فلن تتمكن من سد جميع احتياجات الفقراء والمحتاجين والمنكوبين لكن التضافر في هذا الجانب التطوعي على نحو تهيئة هذه اللجان التطوعية لتتبع الجهات الحكومية المعنية سيزيد من نشاط هذه الجهات وحتما ستكون النتيجة إيجابية لأبعد الحدود. ولله الحمد نحن في مجتمع مسلم يحرّكه الوازع الديني في سبيل بذل الخير فلنجعل من هذه الخصلة نشاطا اجتماعيا واسع النطاق ونسعى في بلورة هذه الأفكار لتكون جاهزة متى ما دعتنا الحاجة لذلك .. لقد احتجنا لهذا التنظيم عندما تعرضنا لكارثة الزلازل وقد كانت هناك جهود واضحة من الأوفياء لكن سوء التنظيم وقلة الوعي بإدارة الكوارث جعلها أقل فعالية وهذا ما دعاني للقول بأن الوقت قد حان لنتعلم من أخطائنا ونبدأ في تشكيل هذه اللجان في سبيل مد يد العون والمساعدة في أصعب الظروف وأحلكها كفانا الله وإياكم شر هذه الكوارث ودمتم سالمين.