يقول الأولون: "إللي قرصوا الحنش يخاف من الحبل"، هذه حقيقة، وهناك قولٌ آخر (من حسَّب سَلِمْ). وآخر يقول "ليس المخاطر بمحمود وان سلم". أصبحنا نعيش في حالة هلع وخوف مردَّه سيول جدة وما أحدثته في المنطقة من دمار وموت لدى غالبية سكان الأحياء المتضررة حتى أصبح البعضُ منَّا يَحْسِبُ ألف حساب إلى أماكن السيول وبطون الأودية. وخاصةً الذين عايشوا هذه الكارثة الموحشة عن قرب. هذه الفوبيا من الهلع جعلت الكثير من المؤسسات التعليمية والتربوية تُسرع في خروج طُلابها من المدارس والجامعات بمجرد رؤية السحاب الدَّاكن. أو سماع نشرة الأرصاد الجوية. نحن كأولياء أمور نشُد على أيدي هذه المؤسسات العلمية لأنه لو صادف يوم سيل الأربعاء وجود طلاب بالمدارس لكانت الطَّامة أكبر والوفيات أعظم ولكن قدَّر الله وما شاء فعل. فنحن نشكر تلك المؤسسات التربوية سواءً كانت مدارس أو جامعات بأن قامت بصرف طُلابها قبل هطول الأمطار في وقتٍ مبكر. اعتماداً على تحذيرات الدفاع المدني وتأكيداً على ما جاء في النشرة الجوية. الكثير منا أصبح لا يعتمد على غيره في الذهاب إلى المدارس لمصاحبة أبنائه إلى البيت. حقيقة لم أعد أشعر بأنني أعيش في مدينة المدائن عروس البحر الأحمر ذات الكباري الجميلة والأنفاق والشوارع العريضة والميادين الفسيحة والأشكال الجمالية. أحسست بأنني أعيش في أدغال الأودية الموحشة والطُرق الهشة الخفيفة والكباري المعلَّقة على الرمل المُعرضة للسيول الجارفة. أحسست عند ميدان الجامعة بالكآبة فأصبحت الأرض بلون السماء والسحاب المحمَّل بالأمطار الداكن. وعشت كما عاش الجميع يومها في ميدان الجامعة في حالة من الربكة والزحام. الكل يبحث منا عن منفذٍ للوصول إلى بوابة الخروج. الكل يبحث عن ابنته في وسط الزحام وزيادة أصوات الكلكسات وأنين الإسعافات. الجميع ينظر للسماء ويترقب ما تخفيه تلك السحب في حيرة من أمره مُرددين جميعاً "يا أمان الخائفين"، أما أبناء وبنات رياض الأطفال فخرجت أمهاتهم مع السائق لاصطحاب أطفالها إلى بيوتهم دون الاعتماد على أحد. الجميع يود الوصول إلى بيته بأمان. أما القاطنون شرق الخط السريع فأصابهم ما أصابهم من الهلع والخوف من انهيار بحيرة المسك عليهم فشدوا رحالهم إلى أقاربهم بعيداً عن منازلهم في هذه المناطق خوفاً على أرواحهم من تكرار المأساة كما باتوا ليلتهم يقظين حذرين من مداهمة السيول لهم أو انهيار المسكن على رؤوسهم وهم نيام. هذه المشاهد من الربكة والزحام مع صوت الرعود ورؤية البرق الخاطف زاد من هلع سلوكياتنا ذلك اليوم الكئيب مع تصور حادثة سيل الأربعاء والله يكون في عون من كان لديه أكثر من ابن أو ابنة أو أبناء في كافة المراحل التعليمية في مدارس مختلفة.. السؤال المحيِّر للنفس: هل سنعيش في حيرة من أمرنا كلما رأينا السحاب الدَّاكن خاصةً ونحن نعيش زمن التغير المناخي السريع؟. هذا السؤال أوجهه للمسئولين والجهات المعنية في جدة. بالطبع إن هذه الفوبيا لا يمكن إزالتها بالتطمين بل بالبرهان والواقع الملموس. فالثقة بعد حادثة أحياء شرق الخط السريع أصبحت لا أقول ضائعة بل معدومة تماماً في كل ما هو حولنا. حتى السائقين أصبحنا لا نثق فيهم لأنهم لا يستطيعون تقدير المخاطر ولا يعرفون مواطن السيول أو بطون الأودية أو حتى الابتعاد عن الأنفاق التي تفتقر إلى مجاري تصريف السيول. لاشك أننا في كل يومٍ أصبحنا نعيش فوبيا جديدة حتى أصبحت مشكلتنا هي فقدان الثقة في كل شيء حولنا.. فمن يعيد في نفوسنا الثقة؟ وهل يملك السيل تغييراً لمجراهُ؟ وهل يستطيعُ المسئولون في مدينة جدة إنقاذنا من هذا الهلع والولع بالبرهان والواقع الملموس؟ ويا أمان الخائفين.