جدة مدينة عريقة وناهضة ومركز جذب سياحي وتجاري لموقعها المتميز على ساحل البحر الاحمر، واعتبارها بوابة الحرمين الشريفين، ولوجود مرفقين مهمين للتواصل مع مختلف البلدان الخارجية وخدمة التجارة والاستيراد، واستقبال حجاج بيت الله الحرام والمعتمرين من انحاء العالم الاسلامي، واعني بذلك مطار الملك عبدالعزيز الدولي، وميناء جدة الاسلامي، وغير ذلك من مرافق الخدمات ومنها الفنادق والبنوك، ووسائل المواصلات والاتصالات والمستشفيات الحديثة، وكل ضروريات الحياة في هذه المدينة الجميلة الحضارية المتطورة، كما كانت توجد فيها السفارات الاجنبية، وحالياً القنصليات. واتذكر الزمن الجميل في ربوع جدة حين استقر بي المقام فيها منذ عقود مضت حين التحقت بالعمل الوظيفي في الخطوط الجوية السعودية ومقرها الرئيسي في جدة ولها دورها المؤثر في نمو حركة النقل الجوي عبر شبكتها الداخلية والخارجية كما اسهمت في خدمة خطط التنمية التي تتبناها الحكومة الرشيدة. وحين التحقت بالعمل في جدة كانت لا ترقى الى الوضع الحالي من حيث التطور العمراني ونسبة السكان وكانت تحتفظ بطابعها العمراني التقليدي وتقارب الاحياء الى بعضها وتجانس سكانها وحفاظهم على العادات والتقاليد الاجتماعية الاصيلة. وقديماً كان يحيط بمدينة جدة سور له أبواب من الجهات الاربع او تزيد. ووجود ذلك السور يعكس مدى مساحتها ونسبة سكانها وجلهم من المواطنين في ذلك الحين. ومع بداية تنفيذ الخطط الخمسية للتنمية في عام 1390ه 1970م بعد تحسن موارد الدولة واثر ذلك الفعال على نشاط المؤسسات والشركات والافراد بدأت الطفرة العمرانية، واخذت مساحة جدة الجغرافية تتسع في جميع نواحيها وضواحيها، واخذ من توفرت لهم الامكانيات والفرص الذهبية يتملكون المساحات الواسعة من الاراضي المحيطة بجدة وتحويلها الى مخططات وبيعها على شكل بلكات او قطع سكنية، واقبل الناس على الشراء في تلك المخططات لغرض البناء للسكن او الاستثمار التجاري، واصبحت تلك المخططات احياءً ذات عمائر "وفلل" ومحلات تجارية، واصبح الطلب يتزايد ويتضاعف على مرافق الخدمات الاساسية واهمها الماء والكهرباء والهاتف. ولم يعد الانسان يعرف بالتحديد حدود جدة، ونطاقها العمراني، وفي عهد الامين الأسبق لمدينة جدة المهندس محمد سعيد فارسي وضعت الامانة كما يقال حداً اقصى للبناء في المخططات الجديدة لا يتجاوز (ثلاثة ادوار) وبذلك يتوحد الشكل العام للحي، ولا يضار احد ممن لا يستطيع بناء اكثر من ذلك. ولكن الامانة منذ عام او اكثر في عهدها الحالي لم تلتزم بالهدف من التحديد السابق للبناء واخذت تمنح تصاريح لمن حباهم الله بالملايين لبناء الابراج العالية داخل الاحياء السكنية حيث يشترون المباني ذات الدور والدورين ويهدمونها ويقيمون عليها أبراجاً ذات ستة وسبعة ادوار، وهذا مما سبب الضرر لاغلب سكان الحي حيث يترتب على ذلك الزحام البشري وكثرة السيارات والازعاج وعدم توفر مواقف كافية لسيارات سكان الابراج كما يزداد طفح البيارات في الشوارع لكثرة استهلاك سكان الابراج من المياه التي تطفح في الشوارع وتؤذي المشاة وركاب السيارات. كما ان عمليات الهدم والحفر للمبنى السابق الذي سيبنى في موقعه البرج العالي يخشى ان تؤثر وتخل بأساسيات المباني المجاورة حيث سيتم استخدام معدات تكسير وازالة القواعد الخرسانية السابقة وهذه المعدات عندما تخترق قواعد الخرسانة السابقة تهز ارض الموقع بشدة مؤثرة على سلامة ما حول الموقع. فيحسن بمن يفكر في الاستثمار في بناء الابراج العقارية داخل الاحياء السكنية العامرة بالمباني والسكان ان يتجه لبناء وحدات او مجمعات سكنية في المخططات الخالية في الطوق الدائري المحيط بمدينة جدة. وبذلك تبقى مباني الاحياء السكنية القائمة على وضعها المتناسق، وحسب المعايير والضوابط الفنية والهندسية التي وضعت لها اصلاً. ومما تقدم يتضح ان السماح ببناء الابراج العالية داخل الاحياء السكنية له العديد من الآثار السلبية وتستدعي المصلحة العامة اعادة النظر فيه، واذا كان ولابد من بعض هذه الابراج فلتكن على الشوارع الرئيسية والتي تتواجد فيها المحلات التجارية والخدمية. كما ارجو من المجلس البلدي ان يدرس هذه القضية بجدية، ويقنع الامانة بالعدول عن منح تصاريح بناء الابراج العالية داخل الاحياء السكنية. ومن المؤكد ان صاحب السمو الملكي الامير خالد الفيصل امير منطقة مكةالمكرمة وفقه الله لا يقر ان يستفيد المستثمرون على حساب الاضرار بالاكثرية من المواطنين من سكان الاحياء التي استجدت خلال الثلاثة العقود الاخيرة. والله الملهم للصواب.