غاب عن عالمنا العربي المفكر الاديب الكبير الدكتور مصطفى محمود الذي عاش معنا بأسلوبه البسيط الهادئ والعميق والذي كان له القدرة على تناول الافكار والنظريات العلمية المعقدة وتحليلها في برنامجه الشهير "العلم والإيمان" الذي قدمه التلفزيون المصري على مدى سنوات طويلة وحظي بنجاح فائق.. وقد لا يعرف الكثيرون عن مصطفى محمود الذي ولد بمنطقة ريفية في شبين الكوم شمال القاهرة أنه عندما دخل المدرسة للمرة الأولى وهو طفل ضربه مدرس اللغة العربية فكره المدرسة والمدرس وجلس في البيت وقرر ألاَّ يذهب الى المدرسة الا بعد رحيل هذا المدرس الذي تسبب له في عقدة من اللغة العربية وهو طفل "نابه" يتحاكى كل من حوله عن ذكائه وبالفعل بعد ثلاث سنوات انتقل المدرس وعاد مصطفى محمود الى المدرسة وتفوق على اقرانه وظل متفوقاً حتى دخل كلية الطب واصبح طبيباً الا ان موهبة الأدب والكتابة طغت على مهنته حتى انه ترك للمكتبة العربية 98 كتاباً.. في العلوم والفلسفة والاجتماع والسياسة اضافة الى قصص وأدب الرحلات وكلها بأسلوب رشيق بسيط وجذاب ويتميز بالدقة والعمق.. وسيظل الدكتور مصطفى محمود عالقاً بأذهان الكثيرين وقد نتفق معه أو نختلف ولكنه اضافة لتاريخ الفكر والثقافة العربية . وكنت اتمنى من صاحب السمو الملكي الامير خالد الفيصل رئيس مؤسسة الفكر العربي ان يكرم اسم هذا العالم المثقف الفاضل الذي كان يناقش العلمانية والملحدين ويقنعهم بقوة الحجة واليقين.. وقد قرأت العديد من كتب الفقيد الراحل وكان اهم ما علق بذهني كتابه "رحلتي من الشك الى الايمان" وبنفس الأسلوب المقنع الهادف الذي كان يتحدث به في برنامجه التلفزيوني الذي كان يوظف فيه الصورة لخدمة المعلومة ولإيصال الفكرة للمتلقي وكان يختار عباراته وكلماته التي ينشرها.. وفي جنازته توافد عليها الفقراء وزحف اليها المهمشون في المجتمع المصري وراحوا ليودعوا رجلاً بذل الكثير من الجهد لمساعدتهم وإعانتهم من خلال اعماله الخيرية الكثيرة التي كان يقدمها إليهم.. رحم الله هذا العالم العملاق الذي كان رمزاً من رموز الفكر الاسلامي الوسطي المعتدل ورمزاً للعلم والإيمان معاً.