لم أكن أتصور أن يكون للعنف الوظيفي ضحايا إلى هذا الحد.. فمنذ نشر مقال الأسبوع الماضي عن (الإحباط الوظيفي) وما يؤدي إليه ، لايزال بريدي الالكتروني يستقبل رسائل كثيرة .. بين من يشكو (الإرهاب الوظيفي) وبين من يشرح الأسباب ومنها افتقار الإدارة إلى التوازن ، بينما تعتمد (الشخصنة) وتفتح أبواب المجاملة والنفاق على مصراعيها.. وتبدأ الشللية في (تسمين) مصالحها الخاصة ، والضرب تحت الحزام أو فوقه لمن يقف في طريقها ، أو يشوش على مصالحها ..ومن العجيب أن تجد المسئول مستمتعاً بهذه الطريقة (البوشية). أما الرأي الذي لفت انتباهي في تعليقات إخواني القراء الأعزاء .. ومعظمهم من الموظفين حسب ما فهمت من تعليقاتهم .. ما قاله أحدهم من أن الإرهاب الإداري عندما يلجأ إليه المسئول ، إنما ليغطي إفلاساً فيطلق العنان لأفكار إدارية متلاحقة ككتلة خيط متشابكة .. فتارة يمارسون الإرهاب باسم (التطور) .. وأخرى باسم (التنظيم) وما هي إلا أسماء يسمونها .. فيما الزمن يمضي والحال من سيئ إلى أسوأ ، إن كان في نتائج العمل أو معنويات الموظفين الذين غرقوا في تنظيرات ولوائح لم يعد لها وجود في مفهوم الإدارة الحديثة إلا في مخيلة المنظرين الذين لايجيدون سواه ويترزقون منه!. هؤلاء كلما استنفذت فكرة من أفكارهم (غير الخلاقة) ابتكروا غيرها وزينوها للمسئول حتى يسرحوا ويمرحوا باعتبارهم رجاله الذين لا يشقّ غبار.. وهو غالباً لا يدري عن العمل شيئاً ولا يرى ولا يسمع إلا ما ينقلونه له . هكذا يقضي المسئول سنوات وسنوات عجاف في حصادها ، لا يجيد فيها سوى العنف والإرهاب الوظيفي .. وبدلاً من الاستفادة القصوى من الوقت (السيف) ومن العاملين بجهازه ، تجد الإدارة نفسها غارقة من أخمص قدميها إلى رأسها في مشاكل داخلية . وعندما يضيق الخناق عليها بحسابات الفشل ، سرعان ما تبحث عن مخرج يتطوع به (شلة الفزّيعية) لكن كما يقول المثل ( تمخض الجبل فلولد فأراً) وبدلاً من تطوير العمل على أرض الواقع بالإنجاز ..تبدأ دورة مكثفة من العنف والإرهاب على الموظفين والتخلص ممن لايروق لهم ( إما الاستقالة .. أو الاستقالة) و لا ثاني لها. وهكذا تمضي السنوات .. وإلى أن يدور الكرسي ويتغير المسئول ، نجده يتحدث بعد ذلك عن انجازاته العبقرية ويتشدق في تصريحاته بالقول: ( يكفيني أني طورت أسلوب العمل وصححت الإدارة .. ولو كان هذا كل إنجازي لكفى ، وقد وكفيت ووفيت) مع علمه بأن كل ما شغل نفسه به ( أصبح في خبر كان) والفزيعة مشغولون بترتيب جولة جديدة. بكل أسف بعض الأجهزة تضيع وقتها وجهدها في ما لا طائل منه .. وبعض المسئولين لا يجيدون سوى عرقلة عملهم بإرهاب موظفيهم ، ولا تطبق جوهر أنظمة العمل ومقاصدها في تطويره وخدمة المواطن .. فأصبحنا أمام طابور طويل من المحبطين.. والمشكلة أن هذه النماذج تغطي الفشل بأكبر منه عندما تهدر المال العام في مجاملات إن كان في تعاقدات مشاريع أو توظيف على بنود وبمبالغ خيالية . الإرهاب الوظيفي يا سادة لا تعرفه الإدارة المحفزة ولا تطبقه الإدارات الناجحة .. بل بخلق بيئة إيجابية والعمل بروح الفريق وتغذية الحس الوظيفي والإبداع في العمل .. ولو حسبنا خسائر مثل هذا النوع من الإرهاب سنجدها باهظة وخطيرة .. لأنها مدمرة إنسانياً واجتماعيا واقتصاديا . وحتى لا تكون المواقع القيادية الإدارية حقل تجارب للبعض .. أتمنى تطبيق مواصفات الجودة والصحة النفسية في اختيار من يشغلها .. ليستقيم البناء والجسد الإداري لكل جهاز يقوم على الإنتاج وخدمة المواطن . * نقطة نظام : المنافق يمدحك في ضجة ويخونك في صمت [email protected]