** كنت قبل أيام عند أحد الاخوة الذين يعملون في مهنة (معقب) لدى إدارات المرور والجوازات والاحوال المدنية وما شابهها، وإذا بأحد الزبائن يراجع من أجل اتمام مسألة تجديد استمارة سيارته، وهنا لابد أن يقوم كل أحد باستطلاع مسألة مسألة هل عليه مخالفات مرورية مثلا أم لا؟.. وان عليه ان يسدد المخالفات أولاً، ثم يباشر مسألة تجديد الرخصة او الاستمارة بعد ذلك، وكانت المفاجأة أن عرف الزبون أن عليه مخالفات مرورية تزيد على أربعة آلاف ريال (!!).. وان عليه - طبعاً - ان يسددها كاملة، والا فلا استمارة جديدة لسيارته. ** صاحبنا ظل مذهولاً لدقائق كما بدت ملامحه أمامنا، وبقي لدقائق يحك رأسه تارة، ويضع يده على جبينه تارة اخرى.. وكأنه قد فهم أنه (إذا وقعت يا فصيح - لا تصيح).. فما كان منه الا ان استمهل صاحب المكتب بعض الوقت لكي يتدبر أمره، ويؤمن مبلغ المخالفات من هنا وهناك، بعد أن كان يظن ان المسألة لن تتعدى المئات، وإذ بها ألوف مؤلفة (فوق دماغه).. اللافت وهذا هو المهم ان أحد الجالسين قد أخبرنا ان هذا المبلغ قليل مقارنة مع مبالغ اخرى تم قيدها ضد آخرين، فمثلاً أحدهم وصلت مخالفاته الى (12) ألف ريال، والثاني الى (20) ألف ريال، بل وقال لنا بما يشبه الأسطورة ان هناك مخالفة وصلت الى حوالى (70) الف ريال!! ** الأكثر أهمية مما تقدم وهو موضوع هذا المقال هو (تدبيل المخالفات) وهذه حكاية لوحدها، فبعد ان استفسرت من هذه الحكاية، علمت ان المخالفة التي تكون قيمتها مثلاً (150) ريالاً إذا لم يتم تسديدها خلال شهر من تاريخ المخالفة، فانها (تتدبل) اي تتضاعف وتصبح (300) ريال، وهكذا كل مخالفة، بمعنى أن هذا تنظيم معمول به من قبل الادارة العامة للمرور، وانه ساري المفعول أمس واليوم وغداً!! ** هنا يمكن لنا بصراحة ان نقول للادارة العامة للمرور (لا) و(ألف لا) فإن هذا مما لا يستقيم به المنطق، ولا تصح به الأمور، حتى ان أحد الناس عندما كنت أتحاور معه قال ان هذا الإجراء يكاد يحمل شبهة الربا، وهي مضاعفة العقوبة بواقع 100% بدون أدنى وجاهة أو مصلحة.. ونقول نحن ان العقوبة هي من أجل التأديب لا من أجل إيذاء عباد الله، فأنا أقطع الاشارة مثلاً، إذن العقوبة هي (900) ريال وهي تكفي لتأديبي، لكنك إذا ضاعفتها الى (1800) فأنت قد خرجت عن نطاق الهدف الى حيز الإيذاء!! ** والواقع أن معظم المخالفين هم من الشباب بحسب ما نعتقد، ولهذا فان أحدهم لا يحمل في جيبه سوى مصروفه اليومي أو مكافآت الجامعة التي بالكاد تسد رمقه، فما هي المصلحة من إيذاء هؤلاء الشباب ب(مضاعفة) المخالفات، الا خلق حالة من عدم الرضا والعدالة والغبن في أوساط المجتمع، والتي تنعكس سلباً على الشباب، وعلى علاقتهم بأسرهم، وبنفسياتهم، وخصوصاً الطبقة الفقيرة، وما أكثرهم، وقد كانت المصلحة ستتحقق من ايقاع العقوبة فقط دون مضاعفتها، حتى في ظل الارتفاع المتواصل للحوادث المرورية وآثارها المزعجة على المجتمع والأمة. ** المتعاملون من على قرب مع الشأن المروري يقولون ان المخالفات إذا سجلت ضد السائقين، لا تنزل إلا بعد خمسة عشر يوماً من تسجيلها، أي لا يمكنك سدادها قبل نزولها، وقبل مرور اسبوعين، ثم يبقى من مهلة الشهر الواحد قبل ان يتم مضاعفة العقوبة، يبقى (15) يوماً فهل هذه الفترة كافية لان يتدبر الشاب مثلاً أموره ويسدد مخالفة بمبلغ كبير مثلاً أو حتى صغير. ** ثم ما هي نتائج مضاعفات المخالفة على المخالفة، وهل تمت دراسة أثبتت نتائجها انحسار حوادث المرور بعد هذا الاجراء الغريب، أم أن الهدف هو ايذاء الناس بمضاعفة العقوبات عليهم، لمجرد الانتقام، بدل تقويم سلوكهم، وتقديم وجبة تربوية لهم بأنهم قد أخطأوا.. أنا شخصياً لم (أهضم) حكاية (تدبيل المخالفات) فهل يمكن للادارة العامة للمرور أن (تنورنا)؟!!