جاء التقرير الأخير الذي أصدره مجلس الاستخبارات الوطني الأمريكي والذي حمل عنوان "الاتجاهات العالمية لعام 2025: تحول العالم" (وهو تقرير يصدره المجلس كل أربع سنوات يوضح فيه توقعاته للاتجاهات العالمية على مدى 15 عاما قادمة)، متزامنا مع العديد من التحديات التي برزت على الساحة العالمية، بداية بالأزمة المالية التي تعصف بالاقتصاد الدولي، وقضية الاحتباس الحراري، مرورا بالأزمة النووية الإيرانية، ووصولا إلى القوى الصاعدة والتحولات في موازين القوى الدولية. وتوقع التقرير بروز نظام دولي متعدد الأقطاب، مستندا في ذلك إلى صعود قوى دولية جديدة مثل الصين والهند، خاصة على الصعيد الاقتصادي، بشكل قد يمكنها من تجاوز معدلات نمو مجموعة السبع الكبار بحلول عام 2025، علاوة على سعي تلك الدول إلى أن يكون لها دور على الساحة الدولية، لكن التقرير أشار إلى أن تلك الدول الصاعدة قد لا تتحمل العديد من الأعباء الدولية. وإلى جانب ما سبق، فإن حلفاء الولاياتالمتحدة وشركاءها التقليديين كالدول الأوروبية واليابان، حسبما يذكر التقرير، سيواجهون جملة من التحديات في سبيل الحفاظ على معدلات نموهم الاقتصادي في وقت ترتفع فيه نسبة متقدمي العمر بهذه الدول. ولن يقتصر التغيير الذي سيشهده النظام الدولي على وحداته، كما يشير التقرير، بل سيشمل أيضا طبيعة القضايا الدولية، وسيكون لقضايا مثل تغير المناخ وأمن الطاقة الأولوية على أجندة القوى الدولية، بالإضافة إلى تزايد التهديدات مثل انتشار الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل والإرهاب. ورغم هذه التحولات التي سيشهدها النظام الدولي بحلول عام 2025، يؤكد التقرير على أن الولاياتالمتحدة، وإن تراجعت هيمنتها، ستظل الدولة القائد "الرائدة"، بسبب تطلع وحدات النظام الدولي الجديدة إليها لتحمل الكثير من الأعباء العالمية. كشفت الأزمة الاقتصادية الحالية عن طبيعة التحول الذي يشهده النظام الدولي؛ فقد فقدت الأسواق الناشئة في جميع أنحاء العالم أكثر من نصف قيمتها ناهيك عن خسارة البنوك لأرباحها الصافية الربع سنوية في غضون أيام قليلة، ومن المتوقع أن تحدث الأزمة تحولا في آليات العولمة في ظل الجهود الحالية لتقييد حرية انتقال رءوس الأموال التي كانت متاحة في العقد الماضي، غير أنه حتى الآن لا يوجد تصور واضح لما ستئول إليه تلك الأزمة. وعلى الرغم من الغموض المتعلق بشكل النظام الدولي في المرحلة القادمة، فإن الأزمة المالية ستسرع من تحول النظام الدولي إلى نظام متعدد الأقطاب؛ فتلك الأزمة تعمل على تعميق الدور الاقتصادي للصين عالميا، من خلال ما تمتلكه الصين من احتياطيات ضخمة، وهو ما يعطيها نفوذا جليا فيما يتعلق بتشكيل مستقبل المشهد الاقتصادي العالمي. إلى جانب التحولات في المشهد العالمي، توقع تقرير مجلس الاستخبارات الوطني لعام 2025 عودة دور الدولة مجددا في الشؤون الاقتصادية، لاسيما في الدول الصاعدة دوليا، وبشكل خاص في أوقات الأزمات الدولية، ولن يقتصر هذا الأمر على الدول التسلطية مثل الصين، لكنه سيشمل الدول الديمقراطية الصاعدة كالبرازيل والهند. وفي هذا الصدد يثور السؤال: هل ستعزز الأزمة الاقتصادية من دور دائم للدولة في الاقتصاد، أم أنه دور مرحلي عابر إلى حين تحقيق الاستقرار الاقتصادي وعودة النمو مجددا؟ وبرغم غياب إجابة واضحة عن هذا التساؤل في ظل تعريف وإعادة تعريف الدور المطلوب من الدولة في الاقتصاد؛ فإنه من المتوقع أن يكون هذا الدور دائما، فالشركات المملوكة للدولة والتي كان ينظر إليها على أنها خطر كامن تساهم في الحصول على حصة أكبر من السوق، بالإضافة إلى ما يمثله ذلك من زيادة الحضور السياسي للدولة في السوق وتجديد السياسات الصناعية، ناهيك عن تزايد دور هذه الشركات في خلق الوظائف والتوسع خارج الحدود الوطنية، وقد تتحول إلى شركات عالمية ، كما أصبحت الدولة مسئولة عن إدارة صناعات وخلق وظائف، وهو ما يجعل الشركات المملوكة للدولة أكثر جاذبية.