في رحلتي الأخيرة وأنا قادم من فرنسا، وبعد أن ربطت حزام الأمان إستعدادا للإقلاع، أغمضت عيناي للتحليق في فضاء الأحلام، "فرنسا: بلد الحريات"، إسم الكتاب الذي يحمله جاري في المقعد، شدني العنوان ففرنسا كنت أعرفها كذلك، وإبتسمت إلى جاري الذي بادلني التحية بأحسن منها، فشجعني على إجراء حوار معه، السيد فرنسي/نعم، جدة هي وجهتك الأخيرة / نعم، أول مرة تزور فيها السعودية / أعمل بها منذ 27 عاما، في مجال الديكور والأثاث المنزلي، أنت إذا على إختلاط مع شرائح المجتمع المختلفة / نعم ولكن دون خلوة، أعجبتني سرعة بديهيته، وتأكدت أنه على معرفة تامة بقضايا مجتمعنا، ما رأيك بالحريات في السعودية، لا شك أن هامش الحريات لديكم في إتساع ولكن الرحلة ما تزال طويلة، عمل المرأة، قيادتها للسيارة، ذمتها المالية، رفع الولاية عنا، مشاركتها، تزويجها، طلاقها، بصراحة شديدة مجتمعكم مجتمع ذكوري ليس للمرأة فيه أي تمثيل أو مشاركة، أيدته في بعض ما ذكر وقلت وماذا عن الحريات في فرنسا خصوصا وأنت تحمل كتاب بعنوان "فرنسا:بلد الحريات" قال لا شك أن القانون في فرنسا يكفل الحريات للأفراد بنسبة 100%، قلت هل هناك نواد وشواطئ للعراة، دور للبغاء وممارسة الرذيلة، الجنس الثالث والرابع، زواج المثليين، الناس كلهم يمارسون حياتهم بكل حرية، ودون أدنى مضايقة بل وأكثر من ذلك، ففي فرنسا للمرأة ما للرجل والعكس صحيح، حرية الفرد يكفلها القانون، يلبس ما يشاء، يعتقد بما يشاء، يكتب ما يشاء، ينتخب من يشاء، يتصرف كما يشاء شريطة أن لا يتعدى على حرية الآخرين فحريته تنتهي عند بداية حريتهم، قلت: هل تعلم أن لديكم مسلمين. قال نعم والحكومة قد أعترفت بالإسلام كدين رسمي في عام 2000، قلت يزيد عدد المسلمين عن 6 ملايين نسمة، يشكلون 10% من السكان تقريبا، ويعتبر الإسلام الديانة الثانية بعد المسيحية في فرنسا، و يبلغ عدد المساجد في فرنسا حوالي 1000 مسجد ويتجاوز عدد الجمعيات والهيئات الإسلامية 250 جمعية، فهز رأسه وكأن حديثي لم يعجبه، فواصلت أما وقد ذكرت أن حكومتكم قد أعترفت بالإسلام كدين رسمي ضمن الأديان المعترف بها فهل للمسلمين نفس حقوق أتباع الأديان الآخرى، فقال بالطبع، فقلت ألم يقل الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في خطابه أمام مجلس البرلمان أن البرقع أو النقاب الذي يغطي المرأة من رأسها إلى أخمص قدميها ليس رمزا دينيا ولكنه رمز لإذلال المرأة، ويشكل علامة إستعباد للمرأة وأن إرتداءه غير مرحب به في فرنسا وأنه لا يمكن أن نقبل في بلادنا نساء سجينات خلف سياج ومعزولات عن أي حياة إجتماعية ومحرومات من الكرامة، هذه ليست الرؤية التي تتبناها الجمهورية الفرنسية بالنسبة لكرامة المرأة، أين الحرية التي تتحدثون عنها، إمرأة عارية مرحب بها أما المغطاة فليس لها مكان بيننا، الشذوذ مرحب به ويفضل أن يكون علنيا وفي الحدائق العامة، أما الفضيلة فلا نقبل بها ولو سرا، ما هذا المنطق العجيب، الديانات الثلاث تتحدث عن الحجاب والنقاب في كتبها، وإن اختلفت بعض المذاهب الإسلامية والآراء الفقهية في مدى وجوبية النقاب والأكتفاء بالحجاب، فهذه ليست القضية.وبعيدا عن الدين والإسلام، ألا تدخل تلك الممارسات في خانة الحريات والتي تدعي فرنسا أن القانون يكفلها، أم أن الحرية في التعري والشذوذ والإنحلال وكل ما يخالف الفطرة البشرية، أما الأخلاق والفضيلة فهذه رجعية وتأخر ولا يطبق عليها قانون الحريات، هذه حرية عرجاء، وإسمح لي يا صديقي، أن فرنسا لم تعد بلد الحريات كما هو إسم كتابك فرنسا أصبحت بلد اللاحريات. فاكس 6604448 02