كنا في ماضي زماننا لا أقول البعيد بل القريب قبل ما لايزيد عن ثلاثة عقود، نكره المبالغات في الثناء على من يستحق الثناء فما بالك بمن لايستحقه، حتى إن بعضاً منا كره المبالغة في الثناء على سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم حتى ببعض ما يستحقه، وكنا نحذر الثناء على الخلق المؤدي إلى الكذب حين وصفهم بما ليس فيهم، إما لستر عيوبهم التي نعرف ، وإما لمجاملة لهم لاندرك خطورتها ، حتى إن أهم المنتسبين إلى العلم الشرعي في بلادنا لم يكونوا يرتضون أن يطلق عليهم لقب عالم، ويؤكدون أنهم طلبة علم تواضعاً وتحرجاً أن يوصف به منهم من لايستحقه، بل لعل من يستحق أن يوصف به أشدهم استنكافاً من أن يطلق عليه، وإذا ذكروا مسؤولاً مهما علت رتبته دعوا له بأن يرزقه الله البطانة الصالحة، التي ترشده إلى الخير وتعينه عليه، ولم يكونوا قط يكيلون له الثناء بلاحدود ولاقيود، وكان في ذلك خير كثير، يمنع الناس من وصف من يحبون بما ليس فيهم اصلاً، ثم جاء بعد ذلك خلف أغرقوا في المديح حتى تجاوزوا به كل حد. حتى وصفوا الحدث السن الذي لم يكتمل تحصيله العلمي بعد بأنه فضيلة الشيخ، الذي يحسبه المثني عليه الأبرز في علمه وفقهه، الذي لايجاريه فيه أحد، ولايزكيه بزعمه على الله فهو حسيبه، وهي عبارة ماتت ألفاظها ولم تعد تدل على معناها، حين اصبح يختم بها كل مداح ثناءه على من لايستحق الثناء. وحين أصبح الشتامون السفهاء علماء أجلاء في عرف المداحين والغلاة المتشددين ربانيين ورعين، وشكى الزمان من جهل أطبق، وإدعاء علم لاينفع، وجرأة على الباطل هي الوقاحة ذاتها لايندم صاحبها ولاعنها يعتذر، ورأينا من أصناف الخلق ممن فقد الطريق إلى الحق يسعى إلى الإعلام ليرسم له صورة العالم الداعية وهو خلو الوفاض من العلم، وأبعد الناس عن تقوى. وابتلينا بصنف من هؤلاء لايردعه عن بذاءة اللسان نصيحة واعظ ولاتلويح بالعقوبة من حاكم، ولايبقى من العلاج الجاد إلا أن يعاقب كل متطاول على الخلق بلسانه، حتى ولو حشد من أهل الجهل ألفاً يثنون عليه، حتى يبلغ أن ينصبوه إماماً حافظاً وأبرز علماء عصره، فهؤلاء لايغيبهم عن الساحة إلا مواجهة حقيقية جادة، تكشف عوارهم وتعري غاياتهم الردئية ، حتى يعرفهم الناس فلايخدعون بالمديع الذي يروج لهم، والذي تساعد عليه اليوم وسائل الاتصال الحديثة، فتزيف على الناس فإذا الجاهل عالم، وصاحب الباطل يوصف بأنه الداعي إلى الحق، فهذا الزيف بالغ الخطورة يؤخذ الطريق سهلاً الى مجتمعنا فيجب مواجهته بحزم حتى لايفسد علينا مستقبلنا فهل نفعل هو ما أرجو والله ولي التوفيق. ص.ب 3585 جدة 21488 - فاكس: 6407043