المدن الساحلية لها خصائص جد مختلفة عن بقية المدن الداخلية في كل اصقاع الارض، بعضها يكاد ان يكون مقبولا ومعقولا في ذات الوقت، ومنها المدن الساحلية العربية، الا فيما ندر، وبعضها تلازمها صفات المجون، واخرى تلائمها صفات الجنون، بحسب فعالياتها، او مهرجاناتها او غيرها، واخرى تتقاذفها الامواج بحسب العوامل المؤثرة فيها، ولكنها تظل أثيرة عند بعض اهلها وزوارها، وتصاب في احايين مختلفة بأنواع من الجنوح، ولكنها ما تلبث ان تعود الى رشدها، وذاك مرتبط بتاريخها، ونمط الحياة فيها، ومدن الاصطياف لمن غلب في الغالب الاعم، خصوصا في الجانب العربي منها، الا ترون كيف تصبح القاهرة ان غزاها بعض اهلنا بسياراتهم الفارهة، وبعض طباعهم الغليظة، صيفا وحتى شتاء، وكيف تعود بيروت الى رشدها بعد صيف عابث، تميز فيه بعض الخليجيين من اهلنا بكثير من المجون، وكيف تبدو تونس راشدة ان غادرها بعض العوام الذين لا يفرقون بين الاداب العامة، وحاجياتهم غير المنطقية احيانا، ونوادر القصص في مدن الاصطياف لا تكاد تخلو من بعض طرائف الاعراب ممن ابتلينا بهم، ويشار لهم بالبنان بيننا، تلك احاجي يصعب فك طلاسمها، ان لم نعِ حدودنا قبيل مشاعر الآخرين، وعلى الجانب الآخر تحولت بعض مدن السياحة الداخلية عربيا الى هجمة شرسة من اصحاب النفوذ الفكري، القائمين بالحساب، وربما تلقين الناس ما يضرهم قبل ما ينفعهم، يذكرونهم بما لا يذكرونه، ويفرضون عليهم توجهاتهم، ويجبرونهم على ما لا يريدون، باعتبارهم غير راشدين، او غير اكفياء، او حتى غير قادرين على الاختيار، كل مجموعة على غير مؤشر اسواقهم فاسدة، فاسقة، ومصيرها الهلاك بايديهم او حتى بنواياهم، ويتناسون قول اعظم وابلغ رسالة " ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك " يحولون العادة الى سلوك مفروض، والسماحة الى غلظه، ويتنادون بظلم على القرى، باعتبار اهلها خارجين على نصوصهم، كيف انصرفت مدن السماحة عن سماحتها؟ واستبدلتها باقوام لا طعم ولا رائحة لهم، جل همومهم اعادتهم الى عاداتهم، وتوجهاتهم المذهبية. الحوار.. منطق، لغة، هدف، رؤية، وتفاصيل نسمعها على المذياع ونرددها في المجالس، احيانا اجدها غير منطقية، لاننا نقيس المنطق برؤيتنا ذات الافق الضيق، ومع ذلك سمعتها في برنامج " شباب نت " للمبدع المعد والمخرج رويشد الصحفي في اذاعة البرنامج الثاني ليل السبت الماضي بحوار المتألقة الزميلة العنود الطعيمي وبمشاركة شباب وشابات من الوطن، بعض رؤاهم كانت اجمل من حقيقة الحوار الذي ننشد، وبعض تطلعاتهم تشبه الاحلام، في واقع تحكمه قضايا شائكة، لها تاريخ اثقلنا بالهموم، ولكننا لا نستوعب دروس الماضي القريب ولا ادري لماذا؟