أن تكون ممن أوتي جوامع الكلم فهذا من فضل الله عليك.. وبدونه فصفحة "الرأي" لا ترى في الثرثرة والتطويل والتعرض بإسهاب لهذا الموضوع أو ذاك رأياً وأمراً مفيداً سوى الإطالة وبعثرة أفكار القارئ الذي لم يصدق أن وجد وقتاً مع زحمة يومه ليقرأ لك مقالاً ويستريح.. لا أن يجهد بسب الركض وراء الجمل والمعاني المتداخلة والتي ما أن قرأ فقرة منها إلا ويعود للفقرة السابقة ليعرف ماذا كان قد قرأ آنفاً هذا إلى جانب ما يمكن أن يسببه طول المقال من إزعاج للمخرج والمصمم والمصحح. وحقيقة فإن هذا الأمر موهبة وشرف لا أدعيه ولهذا جاءت رسالة البلاد ( يرجى مراعاة أن تكون المقالات في حدود أربعمائة كلمة) وبالطبع هذا التنظيم إضافة جديدة لما تطالعنا به " البلاد " من تطور ملحوظ في الشكل والمضمون فليس غريبا على أم الصحف السعودية أن تجدد شبابها الذي لا يهرم.. لكني جلست محتاراً وقلت هذا يعني أن أكتب بمقدار نصف ما كنت أكتب، كما أن عليّ تحجيم الجمل في المقال تمشياً مع التوجيهات.. لكني ما أن تذكرت أن هذا المقال الذي تجاوز الأربعمائة كلمة يكون فعلاً قد ضيق المساحة للآخرين إضافة إلى أن المعنى يمكن أن يصل في جمل وعبارات أقل من ذلك.. عندها تذكرت أن خطبة حجة الوداع التي ألقاها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بعرفة، وما جاء فيها من منهج ديني واجتماعي، وسياسي وثقافي وعلمي وحضاري ، وما جاء فيها كذلك عن حرمة الدماء والأموال وصور لحسن المعاملة مع النساء وترك ربا الجاهلية والاعتصام بالكتاب والسنة للنجاة في الدنيا والآخرة، لم تتجاوز الأربعمائة كلمة بل كانت من بدايتها ( أيها الناس ) إلى قوله (اللهم اشهد) حوالي (317) كلمة، وحوت ما حوت من رفيع المعاني، فقد أوتي صلى الله عليه وسلم جوامع الكلم.. فلا أصدق لفظاً، ولا أعدل وزناً، ولا أجمل معنى، ولا أسهل مخرجاً، ولا أفصح لساناً، ولا أبين فحوى من كلامه صلى الله عليه وسلم. إذن كان لابد علينا أن نتعلم جوامع الكلم.. ونقتفي أثر الرسول صلى الله عليه وسلم في انتقاء رفيع المعاني بأسلوب جامع وشامل للمعنى قليل اللفظ والكلمات.. والتحية " للبلاد " فقد أشعلت سراجاً وأنشأت باباً للتعلم والكتابة في مضمون واسع بكلمات معدودات.. ونسأله تعالى التوفيق.. آمين