قال بائع البطيخ: إن التعليمات تمنع منعا باتا فتح البطيخة، بالسكين، فقد تكون السكين غير نظيفة، وقد يتسبب ذلك في تلوث البطيخة، واصابة المشتري بالتسمم ، وقد تترك البطيخة مفتوحة في العراء فترة طويلة فيلحقها الغبار، والذباب ، وعوادم السيارات فتصاب بالتلوث ، ويكون تناولها من قبل المشتري فيه خطر على صحته ، ومن هنا "جاءت التعليمات" بمنع فتح البطيخة ضمانا لسلامتها، وسلامة من يشتريها ، ومن يتناولها لكن المشكلة تبقى في اقناع، واقتناع المشتري بأن البطيخة "حمراء" فإذا لم يقتنع طال الجدال ، والحوار ، والنقاش ، وقد ينصرف في يده ، ويكون لونها مثل "لون الشمس" ويطلب واحدة أخرى حمراء، أو يطلب ان يسترجع الثمن ، وفي الحالتين تلحقنا الخسارة، وتلحق الزبون المتاعب! نحن نشتري البطيح بالنظر وهو على الارض، او فوق السيارة ، ونادرا ما تلمس واحدة، وبعضنا لديه خبرة، وبعضنا ليس لديه خبرة، ومن لديه خبرة يكون طاعنا في السن، لو اتيح له سنه البيع، والشراء في البطيخ، ومن كان يافعا فهو غالبا "غشيم في البطيخ" مثل معظم الزبائن، ومجرد أن يقترب منك الزبون، ويطلب أن تفتح له "البطيخة" تعرف أنه غشيم، وإذا هز البطيخة بيديه تعرف أنه مجتهد يحاول ان يثبت لك أنه يفهم في "شؤون البطيخ" ولكنه بعد أن يسألك، هل البطيخة حمراء فتعرف انه مجتهد، والمجتهد قريب من الغشيم، وفي كل الاحوال فأنت مطالب بأن تفتح البطيخة له بسرعة متجاهلا التعليمات لتطمئن عيناه، ولايسلم الامر من مشالك فقد يتذوق الزبون البطيخة الحمراء فلا يعجبه طعمها فيتردد في شرائها، ولكننا نحاول أن نقنعه أن الشرط كان على "اللون" .. وليس "الطعم" .. واذا كان الزبون "لكيعا" فلا "أمل" في شرائها ، وإذا كان "متساهلا" أمكن معالجة الموضوع في حينه حتى لو تطلب ذلك اعادة ما دفعه إذا تأكد لنا أن إمكانياته المادية دون المستوى، ويكفينا "حلاوة" لسانه ما دام افتقد هو حلاوة البطيخة..! والعالم العربي يعيش "أزمة بطيخ" حجما، ولونا، وطعما، وليس في أيدينا "سكين واحدة" نفتح بها البطيخة التي معنا، أو التي نريد شراءها ، فباعة البطيخ الكبار اخفوا "كل السكاكين" وعلينا القبول بالأمر الواقع ، وبدل هذه "الفلسفة" في قرار منع فتح البطيخ العربي علينا ان نقتدي بالغرب في تعاملهم مع البطيخ ، فهم يقطعون البطيخة ستة اجزاء إذا كانت متوسطة ، وثمانية اجزاء إذا كانت كبيرة، ويضعون كل جزء في غلاف نظيف ، وغالبا فهم لا يغشون في اللون، وأهم من ذلك أنهم لا يغشون في الطعم بعكس العالم العربي الذي يغش في اللون ، ويغش في الطعم ، ويقسم لك أنه لايفعل أي شيء من هذا ، وهذا الأسلوب الغربي - إذا انتقلت إلينا مع العولمة - فقل على باعة البطيخ التقليديين السلام. ينهي بائع البطيخ أقواله بهذه العبارة الساخرة ، الساذجة: "صار عالمنا العربي مثل بطيخة تتداولها الأيدي، وتدحرجها كما تريد ، وأثناء الدحرجة تتعرض البطيخة للكسر، والعالم العربي تتم دحرجته، ويتم كسر ضلوعه ، وجنوبه، ويصرخ من الألم دون أن يسمعه أحد". من يسمعه إذا كان هو بينه وبين نفسه لا يسمع بعضه بعضا فكيف للآخرين أن يسمعوا صراخه، وأنينه.