لا نعيد اختراع العجلة إذا ذكرنا أن العالم يضم أمما مختلفة بينما الأمة تضم شعوبا مؤتلفة، وأن ما يطلق عليه «العالم الإسلامي» يعني في الواقع «الأمة الإسلامية»، وبأن واقع الخلافات السياسية والمذهبية بين بعض دوله لا تغير من حقيقة أن المسلمين على امتداد العالم هم أبناء أمة واحدة ذات حضارة واحدة ولهم قبلة واحدة، مهما تنوعت قومياتها ولغاتها وألوانها ومذاهبها. ولا نعيد اكتشاف الكهرباء إذا تذكرنا أن الوطن العربي كجزء من الأمة الإسلامية بينهما رابط خاص، حيث مثلت الرسالة الإسلامية خاتمة الرسالات السماوية العظمي التي احتضنتها أرضه المباركة في فلسطين والشام والحجاز روح هذه الأمة، بينما مثل العرب الذين بشروا بهذه الرسالات في العالمين جسد هذه الأمة، وأن واقع التجزئة الحدودية والخلافات السياسية بين بعض دول الوطن العربي لا تنفي أن الشعب العربي شعب واحد ذو ثقافة واحدة، جرحه واحد وفرحه واحد مهما تعددت أجزاؤه وتنوعت دياناته واختلفت سياساته وتباينت طوائفه. وأن يعاني شعب عربي أو مسلم من ظلم الاحتلال الأجنبي، أو من العدوان والحصار أو الأسر، أو الانقسام أو الاقتتال الأهلي بما يعرض وحدته الوطنية للخطر، أو من الظلم السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي بما يجافي مبادئ حقوق الإنسان، هو مدعاة للشعور بالألم لدى كل عربي أو مسلم مخلص، لابد أن يدفعه إلى مساعدته بكل الوسائل لرفع المعاناة عنه، «فمن لا يهتم بأمر المسلمين فليس منهم» ومن لا يتألم لألم العرب فليس منهم. وأن يتحرر شعب أي بلد عربي أو إسلامي من الاحتلال الاستعماري أيا كان اسمه «إنجليزي أو فرنسي أو إيطالي» فهذا مدعاة للأمل في تحرر بقية أجزاء الأمة العربية والإسلامية ولفرح كل عربي أو مسلم مخلص، وأن تتقدم أية دولة عربية إسلامية ويزدهر اقتصادها ليعود رخاء على أبناء شعبها، وأن تنجح في بناء قوتها الذاتية السياسية أو الاقتصادية أو العسكرية ففي ذلك أمن وقوة لأشقائها وليس خطرا عليها كما يروج أصحاب النوايا السيئة والعقول الضيقة. العالم الإسلامي ليس فقط أمة واحدة بل كان يوما دولة واحدة، والذي فكك وحدتها إلى عالم عربي وعالم إسلامي لم تكن إرادة شعوبها، بل إرادة أعدائها الصهاينة والصليبيين المستعمرين وهم الذين هزموها بالقوة العسكرية في الحرب العالمية الأولى واحتلوها وقسموها إلى أجزائها السياسية الحالية تقسيما لمناطق النفوذ الاستعماري ومنعا لوحدتها وقوتها وتقدمها. وكل خطوة في اتجاه التحرر من بقايا الاستعمار في فلسطين أو في العراق أو في أفغانستان هي خطوة في تصحيح الأوضاع التي خربها المحتلون، أعداء العرب والمسلمين وفي مقدمتهم إسرائيل، لا يريدون لأي قوة عربية أو إسلامية حرية ولا وحدة ولا تقدما ولا قوة ليبقى هذا العالم الإسلامي مفككا وضعيفا وساحة مفتوحة لمشروعات الهيمنة والوصاية والنهب والسيطرة الأجنبية، بل يريدون أن يستمر الشقاق بين الأشقاء في داخل كل دولة ضربا للوحدة الوطنية، وفي داخل الوطن العربي بين دولة ودولة، وبين العالم العربي والعالم الإسلامي بمتفجرات سياسية وطائفية ومذهبية.. فهل نخدم أعداءنا بموالاة أعدائنا ومعاداة أشقائنا، وبتجزئة أوطاننا وبمواجهتنا فيما بيننا.. أم نستعيد ذاتنا ونصحح أوضاعنا ونوحد أهدافنا وصفوفنا لنواجه عدونا الذي يحتل أرضنا ويقتل أشقاءنا ويستبيح مقدساتنا ويهدد أمننا الوطني والقومي؟. عن صحيفة البيان الإماراتية