هل تنجح تجربة سريلانكا في الباكستان؟ لقد نجحت الحكومة السريلانكية بعد أكثر من ثلاثة عقود في حسم الحرب على نمور التاميل في شمال البلاد. صحيح ان العملية العسكرية التي قام بها الجيش السريلانكي قد أدت الى سقوط المئات وربما الآلاف من الضحايا الأبرياء، وصحيح ان تلك العملية أطاحت بقرى وهدمت بيوتاً، الا انها في الحسابات الأخيرة أعادت فرض سلطة الدولة المركزية، ووضعت حداً للتمرد المسلح الذي عانت منه البلاد طويلاًُ. إن ما تقوم به القوات الباكستانية في وادي سوات شبيه بالعملية السريلانكية. الا انه حتى الآن على الأقل، ليس مضمون النتائج. ويعود السبب في ذلك الى ان ثمة عاملاً سلبياً في هذه العملية لم يكن له اي وجود في العملية السريلانكية. وهذا العامل هو الدور الأميركي. حاولت القوات الأميركية وقوات حلف شمال الأطلسي المتواجدة في أفغانستان مطاردة قوات تنظيم الطالبان الى عمق الأراضي الباكستانية. الا ان هذه المطاردة عادت بنتائج وخيمة. فقد خرقت السيادة الباكستانية، وأنزلت خسائر كبيرة بالأبرياء من سكان القرى. عملت الطالبان على توظيف الأمرين دينياً ووطنياً. وتمكّنت من تشويه سمعة القوات الأجنبية، وأعطت بعداً دينياً لعمليات هذه القوات التي قتلت ودمرّت وأحرقت الأخضر واليابس بحجة مطاردة الطالبان.ولوضع حدّ لهذه النتائج المدمّرة، تولّت الحكومة الباكستانية المسؤولية. وهي حكومة دولة اسلامية. وجيشها يتألف من عناصر اسلامية ووطنية. وبالتالي فانه لا يمكن توظيف العملية العسكرية بانها ضد الاسلام والمسلمين. مع ذلك استطاعت حركة الطالبان ان توحي بأن االعملية تخدم المصالح الاميركية، وان الجيش الباكتساني يقوم بها نيابة عن القوات الأميركية. وقد ادى هذا الإيحاء الى ردود فعل ضد الحكومة الباكستانية داخل الباكستان ذاتها تمثل في المظاهرات والاحتجاجات التي نظمتها حركات اسلامية تتمتع بشعبية واسعة. كما تمثل في سلسلة عمليات التفجير التي استهدفت مقارات أمنية في مدن لاهور وكراتشي واسلام آباد العاصمة؛ وهكذا، فان الحرب الأفغانية لم تعد حرباً بين القوات الاميركية وحركة الطالبان، ولكنها أصبحت حرباً بين القوات الباكستانية وما يعرف الآن باسم طالبان الباكستانية. لم يخفف من وطأة هذه الحرب موافقة الحكومة الباكستانية على الاستجابة الى طلب زعماء القبائل في المنطقة الشمالية الغربية بتطبيق الشريعة الاسلامية. والواقع ان الشريعة كانت معتمدة هناك قانوناً وحيداً للأحوال الشخصية والجنائية منذ عام 1974. ثم توقف العمل بها، لتعود الآن بمواقفة حكومة اسلام أباد. أدى هذا العمل الى امتصاص نقمة زعماء القبائل، ولكنه شجع الطالبان على التمرد، ذلك ان الاستجابة الحكومية جاء تحت الضغط العسكري، مما أوحى بأن المزيد من هذا الضغط يمكن ان يحقق المزيد من المكاسب. وفي مقدمة هذه المكاسب التي تتطلع اليها الطالبان فكّ الارتباط بين الباكستان والولايات المتحدة، واستعادة باكستان لدورها الذي لعبته خلال الاحتلال السوفياتي لأفغانستان. اي ان تكون ظهيراً للقوات "المجاهدة" في أفغانستان ضد الاحتلال الجديد.. المتمثل في القوات الأميركية والأطلسية. لقد سقط "خط دوراند" الذي كان يفصل بين الباكستانوأفغانستان. وأصبحت المنطقة المتاخمة للحدود بين البلدين مأوى لعناصر الطالبان. كانت هذه العناصر تقاتل على جبهة واحدة هي الجبهة الأفغانية مستندة الى حماية باكستانية. اما الآن فانها تقاتل على جبهتين. جبهة في افغانستان مع قوات حلف شمال الأطلسي وجبهة في الباكستان مع قوات الجيش الباكستاني. العمليات القتالية ببعديها تعني الهند أياً كانت نتائجها. فقد اضطرت الباكستان الى سحب قواتها من حدودها الشرقية مع كشمير والهند، حتى تتمكن من مواجهة مسلحي الطالبان في وادي سوات في الغرب. وما كان للباكستان ان تتجرأ على هذه الخطوة لو لم تحصل على ضمانات هندية بعدم استغلال الفراغ العسكري الباكستاني لضرب الباكستان في خاصرتها في البنجاب. ثم ان الهند ما كانت لتقدم هذه الضمانات من دون تدخل اميركي. وبالفعل فقد لعبت الدبلوماسية الاميركية دوراً اساسياً في اقناع الهند رغم العملية الارهابية الكبيرة التي تعرضت لها في مدينة مومباي بتسهيل عملية سحب القوات الباكستانية من الحدود الشرقية المتاخمة لها.. وقد حدث ذلك في الوقت الذي كانت تجري فيه الانتخابات العامة في الهند بما في ذلك في مقاطعة كشمير الملتهبة. والسؤال الآن هو هل تنجح القوات الباكستانية في استئصال حركة الطالبان والقضاء عليها كما نجحت القوات السريلانكية في استئصال حركة التاميل؟. اذا جاء الجواب بالإيجاب، فإن معنى ذلك ان منطقة جنوب شرق آسيا سوف تشهد متغيرات جذرية. أول هذه المتغيرات هي فتح صحفة جديدة في العلاقات بين الهند والباكستان. والعنوان الأساس في هذه الصفحة الجديدة سيكون قضية كشمير الملتهبة منذ الانفصال الكبير في عام 1974. ان سقوط حركة الطالبان في الباكستان وفي أفغانستان سوف يقضي في الوقت نفسه على الحركة المتشددة في كشمير، كما انه سوف يقلّم أظافر الحركات المتشددة الاخرى داخل الباكستان، الامر الذي يعيد صياغة معادلة القوى السياسية في المنطقة كلها.اما اذا فشلت القوات الباكستانية في مهمتها فإن النتائج سوف تكون معاكسة تماماً. والعنوان الأساس لهذا الفشل سيكون سقوط الحكومة الحالية، وربما فشل الباكستان الدولة وتعرّضها الى ما يشبه لا سمح الله ما تواجهه الصومال منذ سقوط الدولة فيها. ان الصومال الممزقة تشكل اليوم همّاً مقلقاً للعالم كله، ليس فقط من حيث عمليات القرصنة التي تنطلق منها في خليج عدن والبحر الأحمر، وليس من خلال تحوّلها الى مكان آمن لتنظيم القاعدة.. ولكن من حيث تواصل الحرب الأهلية العبثية من دون أي هدف أو أي أفق. فأي همّ للعالم يمكن ان يشكله،لا سمح الله، تمزق الباكستان وسقوطها، وهي واحدة من الدول النووية؟. لقد استُدرجت الحكومة الباكستانية الى معركة لا تستطيع ان تخرج منها خاسرة. فخسارتها تعني كارثة كبرى لها وللمنطقة وللعالم كله.. فهل تربح المعركة الحرب؟ عن المستقبل اللبنانية