لا يحدث مثل هذا إلا في عدد قليل من البلاد مثل كوريا. مرتبطاً بتقاليد ومعتقدات وتاريخ. عرفناه أيضاً في اليابان. حيث ينتحر مدير السكة الحديد لأن القطار تأخر أو الوزير إذا أخطأ مرؤوسه أو رئيس هيئة الإذاعة إذا حدث عطل فني أثناء إذاعة مباراة. ولقد تعودنا على أخبار مشابهة تأتينا من بعيد.. ولكنها هذه المرة حظيت باهتمام أكبر لأنها انتحار رئيس جمهورية. استيقظ من نومه مبكراً حيث يقيم في منزله الريفي بالقرب من مدينة "بوسان" بجنوب البلاد. بعد ساعة وجدوه شبه جثة هامدة ينزف الدم من رأسه. فظنوا أنه سقط من فوق صخرة جبل "بونجهوا" الذي تعود على السير في طرقاته كل صباح.. لم يستطع الأطباء إنقاذه رغم ما بذلوه من جهد في المستشفي الجامعي القريب. سرعان ما اتضح أن رئيس كوريا الجنوبية السابق "روه مهيون" قد انتحر. بعد أن قرأوا رسالة تركها لأسرته علي الكمبيوتر يقول فيها إن بقاءه على قيد الحياة أصبح عبئاً لا يطيقه. وأنه من شدة معاناته وقلقه لم يعد يمارس هوايته وعشقه قراءة الكتب.. معتذراً عن قراره بترك الدنيا وما فيها برجاء ألا يلومه أحد علي ما قام به. ويطلب فقط حرق جثمانه. وإقامة نصب تذكاري صغير في القرية التي ولد فيها. اهتزت مشاعر ملايين الكوريين فالرجل كان رئيساً لهم حتى بداية العام الماضي. وبادرت الحكومة بإعداد جنازة رسمية لتشييعه بكل ما يليق برئيس سابق للبلاد. لم يكن سبب الانتحار خافياً على أحد. فالاتهامات الموجهة له ولأسرته كانت علنية. جرى فيها التحقيق. وهي تتلخص في رشوة قدمها أحد رجال الأعمال "صانع أحذية" بستة ملايين دولار منها مليون لزوجة الرئيس تسهيلا لأعمال الرجل الذي تعود علي قضاء مصالحه بالرشاوي. واتضح من التحقيقات أن أسرة الرئيس لم تكن وحدها. على الرغم من نفي الرئيس قطعيّاً بأنه تلقى شخصيا الرشوة. قدم اعتذاراً علنيّاً لشعبه. ومع ذلك لم يحتمل. ولم يجد أمامه إلا أن ينتحر. بذلك سقطت القضية. وأعلن وزير العدل الكوري أن ملف الفساد الرئاسي أغلق بشكل رسمي ونهائي مقدماً التعازي. ومصلياً من أجل راحة نفس الفقير. فهل تتوقف فضائح الفساد فعلاً؟ أم أنها حالة فردية في ظروف عاطفية. بينما بقيت الأجواء الكورية كما هي رجال أعمال لا يتوقفون عن طلب المزيد من المال. ولا يجدون الطريق إلا عبر قنوات السياسيين والحكام فتلتقي الرغبات وتتحقق بدفع ملايين الدولارات رشوة أو هدية! هذا وليس الجميع أصحاب ضمائر حية. يقلقهم الاتهام إلي حد الانتحار. ويزعجهم ألا يستطيعوا قراءة الكتب باستمتاع. وكان الرئيس الكوري السابق قد اختار المعاش في قريته الصغيرة على سفح جبل شامخ يعتزل فيها صخب الحياة وأشباح رجال الأعمال! لقد سبق توجيه اتهامات عائلية لرئيسين سابقين.. غير أن "روه مهيون" يختلف إذ كان من المدافعين عن حقوق الإنسان في بلاده داعياً لمزيد من الديمقراطية. ساعياً لتحسين العلاقات مع كوريا الشمالية. ولم يتصور أن تكون تلك نهاية حياته السياسية! الجمهورية المصرية