نقيم دائما المقارنات مع الآخر كي نعرف أنفسنا. والآخر سواء كانت مقارنتنا لأنفسنا به بهدف التعالي والتكبر عليه، أو بهدف التقليل من قدراتنا وامكانياتنا هو ضرورة كمرآة للروح والجسد. فمن قدرة الله خلقنا بأعين نرى بها كل شيء حولنا ولا نرى بها أنفسنا، والطريقة الوحيدة لرؤية الذات هي باستخدام المرآة أو المقارنة مع الآخر. الأمر الذي يجعلنا على نحو متواصل نحدق فيه بما حولنا ونتخيل انفسنا وما نفعله وما نقوله وطريقة الابتسام والتعبير عن المشاعر. بمعنى آخر أننا نرى كل ما حولنا بوضوح ونتصور انفسنا بكثير من الغموض. لهذا تكون مقارناتنا لمن حولنا قربوا أو بعدوا قائمة على تصور مباشر ضروري لوضع النفس في محك القياس. وعندما نتحدث أو نقارن بهم تكون القصة متعلقة بآخرين ذات علاقة بتصنيفنا لهم كجماعات مقابلة لنا، نحن المتماثلين بشكل أو بآخر مع بعض. واكثر مقاييسنا الراهنة وضوحا لما نعنية "هم" هو الغرب في مقابلنا نحن ما نسميه الشرق. وأحيانا غير المسلمين في مقابلنا نحن من المسلمين. الغرب في كمبيوتر: في هذا السياق تأتي قصة ابن اختى البالغ العاشرة الذي عاد مع اخته بنت الحادية عشرة من كندا في الأسبوع الماضي، وكانت فرحتهم هي الخروج الى الشارع فور سماعهم صوت بائع الأيسكريم. وأثناء عملية الشراء لتلك المثلجات المحبوبة لديهم أحس بائع الأيسكريم ان لهجتهم تدل على وجود مكان آخر فسألهم من اين جئتم؟ فقال الولد بتلقائية من كندا؟ قال البائع واين تكون كندا؟ فرد ابن اختى بصدق خالص "افتح الكمبيوتر ثم افتح الانترنت وتستطيع بعدها ان تعرف اين تقع كندا". ليس لبائع الايسكريم كمبيوتر لكنه قد سمع ان الانترنت شيء لا يصح فتحه او التحدث عنه فقال لابن اختى "لا تقل لأحد انك تستعمل الانترنت".. وهكذا وجدت نفسي تلقائيا أقارن بينهم وبيننا. فأولاد اختى الذين يدرسون في كندا يستخدمون الانترنت يوميا في كل اوجه الحياة، وفي الحوار مع مدرستهم وفي اللعب مع اصدقائهم، وفي التحادث معنا في اليمن عن اخبارهم اثناء وجودهم هناك. وعندنا، اولاد اخوتي وأخواتي الذين يتعلمون في المدارس الخاصة يستخدمون الانترنت عندما يصلون إلى سن معينة من اجل الابحاث المدرسية في الغالب، ولا يمثل ذلك جزءا يوميا من حياتهم. وكثير آخرون لا يتعاملون مع الانترنت بل يدينونه ويحملونه اوزار اشخاص وسلوكيات ناتجة عن قلة من مستخدمي الانترنت معظمهم من عالمنا نحن. ربما لا يكون استخدام الانترنت امرا مهما في نظر البعض، لكنه في الحقيقة موقف يدل على اهمال اعظم انجاز بشري للتواصل الانساني والمعلوماتي السريع تحقق في هذا العالم. وان نتأخر عن تدريب ابنائنا على الاستخدام الصحيح لمثل هذه الوسيلة، هو توقع مبكر لسوء الاستخدام، وفقدان القدرة على التربية الحسنة. [email protected]