لأول مرة اخبرت الولاياتالمتحدة اسرائيل علنا أن قيام دولة فلسطينية يخدم المصلحة القومية الأميركية. لكن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو يرفض قبول حل الدولتين ويقول ماذا يحدث لو قامت دولة فلسطينية ثم سيطرت حماس على الضفة الغربية كما هي تسيطر اليوم على غزة. ويقول نتنياهو إن على الفلسطينيين ان يعترفوا بإسرائيل كدولة يهودية. ويقول ايضا ان العرب واسرائيل يجب ان يتحدوا في جبهة واحدة أمام نمو التهديد الإيراني. ويقول نتنياهو ان مسألة الأرض ليست مهمة إلى ان يتحسن الأمن والأحوال الاقتصادية للفلسطينيين. وكل هذه الأقوال محاولة من رئيس الحكومة الإسرائيلية لتغيير الموضوع بعيدا عن الدولة الفلسطينية. البعض في الولاياتالمتحدة والعالم العربي يطالب بتوقيع عقوبات على اسرائيل. ولكن سياسة حكومة اوباما تقوم على رفع العقوبات عن كوبا، والدخول في حوار مع ايران، فكيف يمكن ان تفرض عقوبات على اسرائيل؟ وفضلا عن ذلك فإن العقوبات لن تكون مجدية لأن اسرائيل اصبحت اليوم رابع اكبر مصدر للسلاح والتكنولوجيا في اسواق العالم. إن اسرائيل تبيع معدات عسكرية وتكنولوجية للصين. وبينما ننتظر لنرى ما سيحمله نتنياهو معه للرئيس اوباما عندما يجتمعان في البيت الأبيض في مايو المقبل يمكن بسهولة رؤية دلائل الصدام بين الرجلين. احدهما ليبرالي والآخر يميني. احدهما يريد دولة فلسطينية والآخر يريد ضربة عسكرية ضد ايران. غير ان أقوى أداة ضغط في يد الرئيس اوباما هي ادراك الإسرائيليين أن أي صدام مع اي رئيس اميركي يسفر عن سقوط الحكومة الإسرائيلية، وهو ما حدث لنتنياهو نفسه في التسعينات اثر صدامه مع الرئيس كلينتون. إن رئيس الحكومة الإسرائيلية الراهنة رغم كونه من مواليد اسرائيل، ولا ينتمي إلى جيل الزعماء الذين تركز حلمهم في استيطان كافة الأراضي التي يصفونها بكونها توراتية، فإنه توراتي اكثر من أي زعيم اسرائيلي آخر. لكن الحقيقة التي يتجاهلها نتنياهو هي أن هدفهم الغالي في استيطان كافة الأرض التوراتية لا يمكن تحقيقه. أحد الأسباب هو أنه ليس في اسرائيل ما يكفي من اليهود. لم يأت إلى اسرائيل ما يكفي من يهود العالم. فجأة حلت خيبة الأمل بزعماء الصهيونية، لأن الصهيونية بالنسبة لهم كانت تعني ان يحزم يهود العالم حقائبهم وينزحوا إلى اسرائيل. لكن معظم يهود العالم لم يفعلوا ذلك، ولم يهاجروا إلى إسرائيل. لقد كان النشيد الوطني لقدامى الحركة الصهيونية يقول: دولة على جانبي نهر الأردن. ولما اصبح هذا النشيد غير عملي تحول إلى: اسرائيل الكبرى، من نهر الأردن إلى البحر. لكن اليهود ادركوا اليوم أن هذا الشعار أو الحلم لن يتحقق هو ايضا. الفشل له مصدران. الأول هو إن توقعات زعماء الصهيونية الأوائل لم تتحقق. لم ينضم معظم يهود العالم إلى اخوانهم في الهجرة إلى اسرائيل. عدد اليهود في العالم يترواح بين 13 و14 مليونا، ولكن اقلية عددها 5,3 مليون فقط يعيشون في اسرائيل، والهجرة إلى اسرائيل نضب معينها. في الأعوام الأخيرة هبط عدد المهاجرين سنويا إلى اسرائيل إلى حوالي 21 الفا ، وهو اقل عدد من المهاجرين حتى اليوم. وزعماء الصهيونية الأوائل اخفقوا في توقعات أخرى. فلم تتحقق توقعاتهم بأن يهود العالم خارج اسرائيل سوف يعيشون في بؤس وشقاء. من يعش خارج اسرائيل سيمنى بالشقاء ومن يعش داخل اسرائيل سيجد السعادة والرخاء. بعد اكثر من نصف قرن على اقامة اسائيل ما زال يعيش في الولاياتالمتحدة عدد من اليهود اكبر من عدد الذين يعيشون في اسرائيل. السبب هو ان حياتهم في الولاياتالمتحدة اكثر سعادة ورخاء مما لو كانت هجرتهم إلى اسرائيل. والمصدر الثاني لفشل الحلم الصهيوني هو ان عدد الفلسطينيين نما بمعدل اكبر كثيرا وبسرعة أعلى. خلال سنوات قليلة سوف يتحول اليهود إلى اقلية في فلسطين التاريخية، اي الأرض التي تشمل اليوم اسرائيل والضفة الغربيةوغزة معا. صحيفة هآرتس الإسرائيلية نشرت احصائية تقول إن نسبة اليهود بين كافة سكان اسرائيل والضفة الغربيةوغزة معا انخفضت دون 50 في المائة لأول مرة. هذا عن الأعداد. ثم هناك الدور الذي لعبته انتفاضتان فلسطينيتان، خلافا لما توقع كثيرون من الإسرائيليين، أثبت الفلسطينيون ان لديهم الاستعداد والمقدرة على القتال سواء بالحجارة أو بالمتفجرات. لهذه الاسباب بات من الأصعب على بنيامين نتنياهو اليوم ان يغير الموضوع. اوباما يقول إن مصلحة اميركا القومية تكمن في قيام دولة فلسطينية. فهل يقف نتنياهو في وجه مصلحة اميركا القومية بدون ان تسقط حكومته الهشة؟ الوطن العمانية