الذين يسيرون بسياراتهم في الطريق السريع "طريق الحرمين" شرقي جدة، يجدون أن المسار الايسر تكون سرعة السيارات فيه في حدود 120 كم / ساعة وفي المسار الذي يجاوره تماماً سرعة، السيارات 80كم / ساعة بينما المسار الثالث السرعة أعلى 100أو 90 كم / ساعة والمسار الرابع للشاحنات . وكثيراً ما كنت أسأل، من الذي سمح للناس في المسار الثاني بأن يسيروا بتلك السرعة القليلة 80كم / ساعة بينما السيارات تتقافز مسرعة عن يمينهم وعن شمالهم في حالة غير طبيعية، بل وتبعث على التعجب والضحك، وأكثر من ذلك فإنك لو تأملت أحد الذين يسيرون في المسار الثاني "المسار العجيب" لوجدته إما يكتب رسالة جوال أو يهاتف أو يتضاحك مع أهله أو أولاده في لحظة "آخر انبساط"!!. وعندما تصل إلى إحدى الاشارات الضوئية تجد أن كثيرين لايروقهم إلاّ الوقوف في المسار الايمن امام الاشارة ، وهو المسار المخصص اصلاً لمن بريد أن ينعطف لليمين، وفي كل بلاد الدنيا التي رأيناها لا أحد يقف في هذا المسار الاّ عندنا هنا، وأكثر من ذلك فإن أحد هؤلاء الواقفين يظل غير مكترث بمن خلفه ، حتى ولو "أحرق البوري" يريد أن يتزحزح صاحبنا هذا المستهتر ولكن دون جدوى، حتى ولو كان يراقب المشهد جندي المرور ، فإنه قد يطنش ، ربما لأنه لا طاقه له بما يرى، لأن عدد المخالفين أكثر من السيطرة عليهم. كل هذه الامثلة وغيرها تقودنا لسؤال هام نتوجه به للإدارة العامة للمرور، وهو كيف يمكن لنا تأصيل الثقافة المرورية لدى الناس، أهي حسب التساهيل ، أم بالغرامات المتفرقة التي تحدث حيناً وتغيب احياناً كثيرة، أم بواسطة أسابيع المرور، التي يغلب عليها الطابع الكرنفالي الاحتفالي والتقاط الصور وكان الله سميع الدعاء . أم أن المسألة تحتاج إلى مشروع كبير جداً ، يستهدف انتشال الناس من فوضوية التعامل المروري الحالية، إلى مستويات أعلى درجة، حتى نصل إلى الطموحات المرجوة، أو قريباً منها ؟ . في اعتقادي الشخصي أن الثقافة المرورية لايمكن أن تهبط على عباد الله من السماء فجأة، بل نحتاج إلى عمل كبير على الأرض، وإلى حشد برنامج كبير، يعاضدها أفراد من المرور في كل الشوارع ، حتى يمكن أن نتقدم خطوة وراء خطوة في مشوار بناء ثقافة المرور لدى الانسان عندنا، بعد أن تأخرنا كثيراً في هذا الجانب ، وصار الاستهتار هو السمة الغالبة لكثير من قادة المركبات عندنا، فأحدهم يتوقف بسيارته في المكان الذي يروقه ، ويتجاوز السرعة النظامية بالصورة التي تعجبه، أو يبطئ في الطرق الطويلة بشكل يعرض نفسه وغيره لخطر الارتطام به ، لأنه يسير بسيارته في وضع أشبه بالذي يتنزه، وهناك من استمرأ أن يتجاوز كل السيارات الواقفة أمام اشارة المرور، فيتقدم الجميع منفرداً بعد الاشارة، حتى صارت هذه الحكاية ظاهرة نراها صباح مساء، إلى غير ذلك من التجاوزات الغريبة العجيبة، والتي تحتاج في حقيقة الأمر إلى حملة شاملة من شقين. الشق الأول توعية شاملة في المساجد والجامعات والمدارس وأماكن العمل والشوارع العامة والمنتديات، والشق الثاني عقوبات صارمة شاملة، وهنا اركز على كلمة شاملة، لأن العقوبات والمخالفات عندما تتم حسب التساهيل فإنها لاتجدي، فكم هم الذين يخالفون وتتمنى في قرارة نفسك أن تضبطهم عين الرقيب المروري، ولكن هؤلاء يفلتون واحداً بعد الآخر، لأن عدد رجال المرور قليل، بل أقل من القليل، ولذلك يجب مراعاة كل هذه النقاط مجتمعة، إن نحن اردنا فعلاً وقولاً أن نجعل لمسألة المرور عندنا "هيبة" . نحن في بلادنا ولله الحمد بدأنا نتقدم خطوات ملحوظة في عدة محاور، وبدأت ملامح العمل المؤسسي تتشكل لبناء وعي حضاري شامل، ولابد أن تواكب الادارة العامة للمرور هذه النقلة، صحيح أننا مسرورن عندما رأينا مؤخراً نشاط المرور السري في جدة، وتحديداً على طريق الحرمين، وكيف صنعت هذه الخطوة الجميلة رادعاً أمام كثير من الطائشين، الذين تراجع نزقهم بشكل ملحوظ، ربما ليس حباً في الالتزام بالقواعد المرورية، ولكن خوفاً من أن تضبطه سيارة المرور السري ، ولابأس في ذلك، نعم لا بأس أن يرتدع المخالف بقوة النظام و"هيبة" السلطة. أن معدلات الاصابات والوفيات من جراء الحوادث المرورية عندنا، لابد أن تتراجع، ولابد أن من دعم جهاز المرور بكل السبل الممكنة، على مستوى التقنية، وعلى مستوى الافراد، وأن نصل عما قريب إلى مستويات عالية من الانضباط المروري، كما هو حال عدد من الدول حولنا. [email protected]