سألني أحد الطلاب يوماً بماذا تقاس حضارة الشعوب فأجبته حضارة الشعوب تقاس بمدى تقدمها في البحث العلمي، والبحث العلمي ليس ساعة أو لحظة بل هو نتاج العقول البشرية خلال قرون وسنين عديدة، والقراءة هي ذلك المفتاح السحري على آفاق المعرفة وحضارات الأمم. اسئلة كثيرة تتبادر إلى الذهن ونحن نستعرض انظمة التعليم في عالمنا العربي حيث يعامل الطفل على انه جهاز للتسجيل يحفظ المقرر عن ظهر غيب بدون معرفة لمعانيه أو فحواه ويتعاون كل من المدرسة والمنزل على تحقيق هذا الهدف. فغرس الثقافة العامة والاطلاع الخارجي أمر مفقود في أسلوب التنشئة الاجتماعية لدينا وهذا هو الذي يجعل هناك فرقاً بين المستوى الثقافي لدى الطفل لدينا وبين الطفل في الامم المتقدمة، فليس الفارق فارق ذكاء ولكنه فارق تنشئة،وللاسف انه حتى جامعاتنا التي تضم الصفوة من رجال التربية والفكر لم تجعل لثقافة الطفل مكاناً او اهتماما في برامجها حيث انني فوجئت بإحدى جامعاتنا العريقة في مدينة الرياض قد علقت لوحة كبيرة تشير إلى انه يمنع دخول الأطفال من بوابتها السادسة عشرة، اما الجامعة الاخرى فإن الاطفال ممنوعون من الدخول من بوابتها الرئيسية في حين ان الجامعات في معظم دول العالم ترحب بزيارة الاطفال وتشجعها وتنظم لهم زيارات ميدانية للتجول فيها وهنا تغرس لديهم حب العلم والشوق إلى تحصيله. كما أن المكتبات العامة سواء في الجامعات أو المكتبات العامة في المدينة لديها جناح خاص بكتب الاطفال.. فلماذا جامعاتنا السعودية ومكتباتنا العامة تتجاهل هذا الشأن وهو على جانب من الأهمية، كما انني التمس من مراكز خدمة المجتمع في جامعاتنا السعودية ان تولي ثقافة الطفل اهتماما خاصا وذلك بتسيير مكتبة متنقلة وهو نظام عالمي لاقى نجاحا باهرا في نشر الثقافة بين الناشئة وتتمثل الفكرة في ان تشحن سيارة وتجهز على أن تكون مكتبة متنقلة تزور كل حي من احياء المدينة يوما او يومين في الاسبوع في ساعات محددة تتيح خلالها لأبناء ذلك الحي الاستعارة من محتوياتها على أن يعيدوها في المرة القادمة، ويمكن تنظيم برنامج الاعارة بكل يسر وسهولة فهناك الكثير ممن لا تسمح لهم ظروفهم بارتياد المكتبات ولكن اذا اوصلنا لهم الكتاب إلى ابوابهم فإننا بذلك نشجعهم على القراءة ونسهل لهم امكانية الحصول على القصة الهادفة والكتاب النافع هذا بالاضافة إلى اننا نغرس في ابنائنا ليس فقط حب الاطلاع وانما الاحساس بالمسؤولية حيث ننمي فيهم الشعور بالمسؤولية بالمحافظة على الكتاب واعادته واحترام ملكية وحقوق الآخرين.. الخ. فهل نرى يوما احدى هذه المكتبات المتنقلة في احد شوارع مدننا السعودية.. اننا نأمل جميعا ان نرى ذلك اليوم ولنتكاتف جميعا نحو مجتمع أفضل.