الشعور بقيمة المال، وبداية تفكير الناس في موضوع الادخار، أمران أفرزتهما الأزمة الاقتصادية التي تطحن من دون رحمة اقتصادات أعتى دول العالم، وجيوب كل فقراء الدنيا، وخاصة تلك البقية الباقية من أفراد الطبقة الوسطى التي انتعشت شيئاً خلال الفترة الماضية ما قبل طوفان الأزمة، وهنا يحق لنا القول إن مصائب قوم عند قوم فوائد، فلقد حاول الكثيرون التنويه مراراً إلى أهمية ثقافة الادخار بين أفراد المجتمع، وتقنين الاستهلاك الكمالي الذي وصل في دول الخليج تحديداً إلى معدلات خرافية بسبب الوفرة المادية ما جعل نفايات الفرد عندنا هي الأعلى عالميّاً!! لقد صار ملحوظاً اختلاف السؤال التقليدي الذي كان شائعاً مع اقتراب إجازة الصيف، لقد كان السؤال: أين ستقضون إجازتكم هذا الصيف؟ صار السؤال هل ستسافرون هذا الصيف؟ فاذا أبديت استغراباً حول السؤال، جاءك الرد سريعاً من دون تكلف، لأن الأزمة المالية اربكت الحسابات، ثم يردف المتحدث: أنا عن نفسي ألغيت مشاريع الإجازة التي كنت قد رتبتها منذ زمن، لم تعد الموازنة تحتمل، وإن كان لا بد من السفر فربما فكرت في بلد عربي!! ثقافة الادخار وتقنين النفقات من السلوكيات التى ابتعد أهل الخليج عنها نظراً لتدفق الثروات على معظمهم بطرق شتى، كما أن الاحساس باستمرار التدفق، ووجود ضمانات حكومية وغير حكومية جعل هذه الثقافة غير واردة عند معظمهم، مع أنها ثقافة اجتماعية في غاية الأهمية والضرورة، وهي نقيض متحضر لثقافة الاستهلاك الاستعراضي الذي كون صورة سالبة عن أهل الخليج تقوم على محددات غاية في السوء للإنسان الخليجي المبذر الذي يتعاطى مع المال وكأنه يأتيه من حنفيات وسط منزله، وهذا ما قالته إحدى الاخوات العربيات ممن جاءوا للإمارات منذ زمن حيث سألتنا: صحيح أن كل مواطن هنا لديه بئر من البترول؟!! طبعاً كلنا نعلم أن للسؤال دوافع ومبررات أخرى أكثر خبثاً من الجهل أو من الصورة السلبية، إلا أن الاستهلاك المظهري الفارغ والمبالغ في تفاهته أحياناً قد كلفنا الكثير من عمليات النصب والاحتيال، وقد تكون التصفيات التي تجري هذه الأيام لبعض المحافظ الاستثمارية الوهمية واحدة من الإشكاليات الصعبة والمؤسفة التي ذهب ضحيتها كثيرون من عشاق الكسب السريع لغايات الإنفاق الاستهلاكي الكمالى في أغلبه· نحتاج في الفترة المقبلة إلى برامج تعلم كيف يتعاطى الناس مع هذه الأزمة الاقتصادية باعتبارها واحدة من مراحل تكون المجتمعات وتأسيس حالات وعي من خلالها، ذلك أن رب ضارة نافعة في أغلب الظروف، وأن البكاء على اللبن المسكوب لن يعيد التقاطه من الأرض ثانية، لقد أكلت الأزمة الكثير من أرزاق الناس حول العالم، لكن ذلك ليس نهاية العالم على أي حال، والأزمة بكل أضرارها ستولد آليات للنهوض وستولد اقتصادات موازية لها بالتأكيد، لكن سلوكيات الأفراد يجب أن تتكيف مع ما يحدث بشكل إيجابي، بعيداً عن فن الإثارة الذي هو بلا فائدة!! الاتحاد الإماراتية