إذا تعامل الإنسان مع ذاته ومع بيئته ومحيطه بصدق وأمانة ومسؤولية وجهد ومثابرة كانت حياته أكثر أمنا واستقرارا ورخاء.. أما إذا فرط في الأمانة وتصرف بأنانية وحماقة وأقدم على استنزاف وتدمير لموارده الطبيعية وخاصة المياه، فلا يلومنَّ إلا نفسه وعليه تعود عواقب سوء تصرفه. ولعل الوضع المائي في العصر الراهن أصبح ينذر بالأخطار في معظم دول العالم، والسبب أن الإنسان ساهم بسوء إدارته وطغيان أنانيته في خلق أزمة مائية لنفسه أخذت تعقيداتها تبرز في أكثر من مشهد. لقد أصبحت القضية المائية هما مشتركا أمام كل سكان العالم فرضت نفسها على أجندة المنظمات الدولية والإقليمية وعلى الدول، وتتقاسم كل المجتمعات مظاهر الأزمة المائية بدرجات متفاوتة في الحدة وبصور مختلفة، ولعل تحديد يوم 22 مارس من كل عام كيوم عالمي للمياه يعكس هذا الاهتمام والقلق المتزايد على الوضع المائي. ولمواجهة هذه المشكلة ظهرت على السطح العديد من الأفكار والرؤى والتصورات لحلول مختلفة ولكنها تجمع في أولوياتها على ضرورة أن يرتوي عقل كل إنسان بالوعي المطلوب الهادف إلى جعل هذا الإنسان حريصا على كل قطرة مياه وعلى استخدامها بترشيد وتقنين محكم وإخضاع هذه الثروة الغالية لإدارة حكيمة في الاستخدام، وبذل جميع الإمكانيات المادية للحفاظ على كل قطرة مياه واستغلال التكنولوجيا والتقدم العلمي في تنمية المصادر الموجودة وتطوير مصادر جديدة. إذا كان هذا هو التوجه العام في قضية المياه على مستوى العالم بما في ذلك دول غنية بمياه أنهارها وبحيراتها وثلوجها وأحواضها الجوفية وتمتلك محطات لمعالجة المياه العادمة وتدوير استخدامها ومحطات التحلية والمتخمة بالأرصدة المالية، فإنه من الأحرى بنا في اليمن أن تكون المياه قضيتنا الأولى والرئيسية بحيث تكون حاضرة في وعينا المعيشي اليومي وراسخة في الذاكرة على الدوام، وأن تكون هناك ممارسة واعية من قبل كل مستخدم وكل صاحب قرار وكل صاحب قلم. ولا شك أن تجسيد هذا المفهوم وغرسه في وعي المجتمع يتطلب عملا دؤوبا من كل فرد منا وفي أي موقع يكون وبكل الطرق المناسبة. إن عرض المشكلة المائية بشفافية لا يعني إلصاق المسؤولية بسياسة معينة أو شريحة محددة من المجتمع بل تؤكد أن كل فرد مسؤول عن ذلك، فالماء شأن الجميع، سواء من حيث الاستخدام والترشيد أو من حيث تنمية موارده. فاستعراض مشكلة المياه بصدق ووضوح له ما يبرره من مشاهد تلتقطها العين ونلمسها جميعا عند الاستخدام، وكذا ما تؤكده الاحصائيات والمؤشرات.. ليس تشاؤما عندما نتحدث عن المياه بهذه الصراحة لأنها صراحة الأخلاق والقيم الإنسانية والتقيد بالتعاليم الإسلامية.. وإلا كيف تفسر حديث الرسول صلى الله عليه وسلم عندما قال: (لا تسرف بالماء ولو كنت على نهر جار).. فهل كان الرسول العظيم يهوِّل ويبالغ في الدعوة لترشيد المياه بالرغم أن الشخص يقف على نهر جار قد لا تستنزف مياهه أبدا فما بالنا نحن الذين نضخ مياهنا الجوفية دون تعويض وتلوث الكثير من المياه دون حدود. إن عرض الحقائق المائية المقلقة يكشف تمادي الإنسان تجاه هذه الثروة وخطورة تقاعسه عن اتخاذ المعالجات المناسبة، كما أن عرض المشهد المائي على حقيقته هو بمثابة دعوة لشحذ الهمم للمحافظة على كل قطرة مياه لنعيش الأمن والاستقرار الحقيقي. الثورة اليمنية