احتضنت مدينة دبي خلال الأيام القليلة الماضية مهرجان دبي الدولي الأول للشعر بمشاركة نحو 100 شاعر إماراتي وعربي وأجنبي يمثلون أكثر من 45 دولة. المهرجان يعتبر تظاهرة ثقافية عالمية تجسد سياسة الانفتاح الثقافي والإنساني. فالحوار الثقافي بين الحضارات يؤدي إلى الارتقاء بالإنسانية إلى التفاهم والتحاور والتعارف بهدف الاندماج والتكامل والتفاهم من أجل مصلحة الجميع. لكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا هل تستطيع الثقافة تحقيق ما عجزت عنه السياسة؟ وهل يستطيع شعراء ومثقفو العالم، على عكس السياسيين، فتح قنوات التواصل والحوار والتفاهم من أجل التآخي والتكامل بعيدا عن النزاعات والصراعات والحروب والعمليات الإرهابية والجرائم. هل يستطيع شعراء العالم أن يتحدوا وأن يعملوا ويجتهدوا من أجل علاقات دولية صحية وسليمة تهدف إلى التقارب والتكامل بين شعوب العالم؟ يلعب المثقفون في المجتمع دورا محوريا في التربية والتعليم والتوعية بهدف مواجهة كل أساليب الاستغلال والإقصاء والتهميش. أما على الصعيد الدولي فيتحدد دور المثقفين في تقريب المسافات بين الحضارات وكسر الحواجز اللاإنسانية التي تحول دون تحقيق التعايش والتفاهم والتكامل بين ثقافات وحضارات العالم. فالتواصل الثقافي يؤدي إلى التعرف على الآنا وعلى الآخر ويؤدي إلى الحوار والنقاش ومحاولة فهم الآخر وتبادل الآراء والأفكار والتجارب والقيم والمعتقدات بعيدا عن الأفكار المسبقة والصور النمطية. فالعالم اليوم تسيطر عليه الأفكار المسبقة والكليشيهات والدعاية والحرب النفسية والتضليل والتشويه والصور النمطية التي تفرزها الصناعات الإعلامية والثقافية التي، مع الأسف الشديد، تنشر الحقد والضغينة والكراهية واحتقار الآخر مما يؤدي إلى المزيد من الصراع والتهميش والإقصاء بدلا من التقارب والتكامل والتعايش السلمي. أفرزت أحداث 11 سبتمبر 2001 جدلا كبيرا حول علاقة الإسلام بالغرب بعد الاتهامات الكبيرة التي وُجهت للدين الحنيف وللمسلمين وللعرب وعلاقتهم بالإرهاب والعنف. في مثل هذه الظروف ما العمل وما هي الإستراتيجية الأمثل لإزالة التضليل والتشويه والصور النمطية، الحوار أم المواجهة؟ فريق يرى أن الحوار لا جدوى من ورائه خاصة وأن العلاقة بين الغرب والشرق بلاد الإسلام ليست متكافئة في جميع الميادين العسكرية، الاقتصادية، السياسية، التقنية...الخ، فلا فائدة من الحوار، خاصة وأن الغرب بقوته وهيمنته على الصناعات الثقافية والإعلامية مستمر في حملاته الدعائية والصور النمطية وحملات التشويه والتضليل ضد الإسلام والمسلمين والعرب. فأحداث 11 سبتمبر 2001 ومن بعدها الحرب على الإرهاب شكلت أرضا خصبة للتحريض على العرب والمسلمين بحجة أن الإرهاب والصراع والصدام والقتل والعنف هي أعمال يقرها الإسلام الذي لا يعترف بالحوار والتفاهم والتعايش. وفريق آخر يوصي بالحوار ويرى أن عدم الحوار يعني الهروب من الواقع وإعطاء الفرصة للمتربصين بالإسلام وأعداء الدين الحنيف ليفعلوا ما يشاءون بقيمه المثلى وتعاليمه الإنسانية. عدم الحوار هو التنصل من مسؤولية كبيرة جدا وهي شرح وتفسير الإسلام والدفاع عنه وتقديمه على حقيقته للآخر. وإذا اتفقنا على ضرورة الحوار، هل الدول الإسلامية والمسلمون والمؤسسات الإعلامية والثقافية في بلاد العرب والمسلمين قادرة على القيام بدورها ومسؤوليتها وفتح قنوات حوار وتواصل مع الاخر حتى يعرف حقيقة الإسلام والعرب والمسلمين وثقافتهم وحضارتهم وماضيهم؟ هل هي مؤهلة ولها القدرات والإمكانيات والوسائل واللغة والأسلوب والطريقة للوصول إلى الآخر؟ الواقع مع الأسف الشديد، يشير إلى ضعف كبير في الوسائل والإمكانيات والمناهج والطرائق...الخ. فالمؤسسات الدينية بحاجة إلى التطوير والتجديد ومسايرة القرن الحادي والعشرين ومسايرة مجتمع ثورة المعلومات والانترنت والمجتمع الرقمي. فالفقهاء وعلماء الدين والشريعة إذا أرادوا الوصول إلى الآخر وإذا أرادوا فهم وشرح وتفسير الدين الإسلامي بمنطق العصر والألفية الثالثة عليهم إتقان لغة الآخر وعلوم العصر حتى يجادلوا الآخر ويقدموا له الإسلام بلغته ومنطقه وبمنطق العلوم والمعارف. هل ننتظر من أئمة في فرنسا وهولندا لا يعرفون لغة هذين البلدين التعريف بالإسلام وتقديمه للآخر؟ كيف ننتظر في هذه الحالة نشر الدعوة وإعلاء معاني الإسلام والتسامح والحوار والجدال وفق تعاليم الإسلام ونحن لا نتقن لا لغة الاخر ولا نعرف شيئا عن خلفيته ومنطقه وأسلوب التعامل معه. البيان الإماراتية