وقع بين يدي كتاب يتحدث عن الفكر الديني الاسرائيلي هذا الكتاب صدر منه طبعتان مع اختلاف بسيط بالعنوان الرئيسي له. منذ كان الطبعة الاولى (الفكر الديني الاسرائيلي)، وفي الطبعة الثانية، الفكر الديني اليهودي، وهو من تأليف الدكتور حسن ظاظا، احد الباحثين في الفكر اليهودي المعاصر،فإن هناك فرقا بين العنوانين، لكني اليوم لست بصدد الحديث عن الفرق بالعنوانين انما اردت ان اعاود من جديد الغاء الضوء على حاجة الكتاب من الحديث عن الفكر اليهودي المتمركز في دولة اسرائيل. ولعل الدين اليهودي الذي يعتبر التعصب والعنصرية اليهودية يختلف كليا عن الاديان التي نعرفها، كما ان العقيدة اليهودية شكلت التحاما عقدياً بين الدين والقومية، فكان اليهود على مرّ السنين الى ما قبل احتلالهم لفلسطين - معزولين عن العالم المحيط بهم سواء كان هذا الانعزال نتيجة للكره الذي قوبلوا به من الآخر، أو نتيجة للعادات والتقاليد التي شكلت فكرهم القديم، والمعاصر. لذلك تأثرت اليهودية بمقاييس الفكر البشري مثلما اثرت هي في هذا الفكر، إلا انها بقيت في حالة من الامتناع والاندماج لقرون طويلة كانت في النهاية ارض فلسطين مساحة لهم للانطلاق نحو غزو العالم والسيطرة عليه. لقد نجحت الصهيونية المعاصرة التي استباحت فلسطين في السيطرة على العالم والتغرير في الرأي العام، وايصال رسالة الى الآخر، ان وجود اسرائيل على ارض فلسطين هو تكريس لعصر الديمقراطية والتقدم والرخاء، ولكن الفكر الحقيقي للصهيونية هو ذاته الفكر اليهودي المنبعث من نفايا ومنحنيات تاريخية قديمة عرفت في المجتمعات اليهودية من خلال الدين والمفاهيم العقائدية والمسلمات الغيبية والتفاسير الصهيونية التي امتلأ بها تراثهم الديني. ان اليهود من اشد الأمم تعلقا بمفاهيم الخلاف والاختلاف، وهذا مرده الى جذور الاختلاف في الفكر اليهودي المتعصب والتراث الذي جاء على اعتبارات صهيونية حتمت عليهم التكتل السياسي والاجتماعي الذي يحتوي من الداخل بعدا دينيا مقترنا بفلسفة احادية تقوم على تزيين الظاهر دون ابراز الجوانب الحقيقية للجوهر. اما اطوار ومذاهب هذا الفكر فهي تقوم اساسا على الاسفار (التكوين، الخروج، اللاويين، العدد ، التثنية)، اضافة الى الانبياء والكتب، خصوصا كتب الابوغريفا، ومنها زراعيم، وموعد، وناثيم، ونزيقين وقداشيم، وطهارت، ثم التلمود ومحلقاته. ولو ألقينا نظرة فاحصة على التوراة لوجدنا ان هناك غموضا شديدا حيال الربط بين التوراة الحالية وبين النبي موسى، هذا فضلا عن الغموض الذي يغلف حقيقة اسرائيلية موسى نفسه عليه السلام.لذلك نجد ان زيغموند فرويد، وهو باحث يهودي معاصر وطبيب نفساني شهير، يرى ان النبي موسى كان مصريا، وان اسم موسى لم يكن ضمن الأسماء السامية سواء كانت عبرية او ارامية، او كنعانية او اكادية. اما هنري كازيل، وهو كاهن فرنسي، فيرى ان دعوة موسى عليه السلام، عندما خرجت من مصر شرقا، تعرضت لكثير من الخلل، والانحراف اذ تحولت من دعوة عقائدية الى نعرة عنصرية. * مدير عام وزارة التخطيط - متقاعد هاتف 6829052 فاكس: 6658393