ترجع فكرة إنشاء المحاكم الاقتصادية إلى السيد رئيس الجمهورية في برنامجه الانتخابي، ثم في بيان سيادته في افتتاح الدورة البرلمانية2005 2006 وذلك لتكون بمثابة قضاء متخصص لنظر المنازعات المتعلقة بالنشاط الاقتصادي في البلاد، فإنشاء المحاكم الاقتصادية بهذا المعنى مطلب قومي ملح يأتي استجابة لضرورات عصر العولمة من ناحية وأهمية العامل الاقتصادي لاستقرار المجتمع وازدهاره من ناحية أخرى، فالمعاملات ذات الصلة بالنشاط الاقتصادي سواء محليا أو دوليا تفرز بالضرورة انواعا من المنازعات التي يحتاج حسمها إلى درجة عالية من التخصص فضلا عن المرونة الاجرائية، ومن هنا كانت فكرة المحاكم الاقتصادية كضمان لعدالة ناجزة توفر اقصى حماية للنشاط الاقتصادي وتساعد على نجاح خطط التنمية كما تحقق مناخا آمنا للاستثمار. ويتميز نظام المحاكم الاقتصادية بالذكاء واعتماد حلول غير تقليدية غير مسبوقة سواء فيما يتعلق باختصاصها وتشكيل دوائرها واجراءات التقاضي امامها. فمن حيث اختصاص المحاكم الاقتصادية فهو اختصاص حصري شامل للمنازعات والدعاوى المتعلقة بالنشاط الاقتصادي المنصوص عليه في المواد من4 إلى 7 من القانون، ومن ثم فهو يتناول كل ما يتعلق بشركات المساهمة والتوصية بالأسهم وذات المسئولية المحدودة وشركات تلقي الأموال لاستثمارها، وضمانات وحوافز الاستثمار، وسوق رأس المال، وعمليات البنوك والوكالة التجارية ونقل التكنولوجيا، وتنظيم الاتصالات وحماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية، وحماية حقوق الملكية الفكرية، وحماية المستهلك، وتنظيم التوقيع الالكتروني، والتأجير التمويلي والتمويل العقاري، وقانون البنك المركزي والجهاز المصرفي والنقد، ونظام الإفلاس والصلح الواقي منه والتفالس، والإشراف والرقابة على شركات التأمين، وإيداع وقيد الأوراق المالية وحماية المستهلك. ويتميز اختصاص المحاكم الاقتصادية بالمنازعات والدعاوى سالفة البيان بأنه اختصاص متكامل، بمعنى أنه يتناول الدعوى أو المنازعة في جميع جوانبها بما في ذلك الجانب الجنائي إن وجد، بحيث لا تنقطع أوصال الدعوى الواحدة بين محكمتين أحداهما تنظر الجانب المدني من المنازعة والأخرى تحكم في الجانب الجنائي منها.. وهي فكرة غير مسبوقة تتسم بالذكاء لم نجد لها مثيلا في تشريعات أخرى، التشريع الفرنسي والألماني والتركي مثلا، ذلك أنها تضمن سرعة الفصل في الدعوى أو المنازعة برمتها دفعة واحدة، فضلا عن أن القاضي المختص بالجانب المدني من الواقعة أقدر على الحكم بالنسبة للشق الجنائي. وضمانا للسرعة والتبسيط فإن قاضي المحكمة الاقتصادية يختص بالفصل في المسائل المستعجلة واصدار اوامر الاداء في المسائل الداخلة في اختصاص تلك المحكمة وتحديد جلسة لنظر الدعوى أمام احدى الدوائر المختصة في حالة امتناعه عن إصدار الأمر، وتختص المحاكم المذكورة بالحكم في منازعات التنفيذ الوقتية والموضوعية عن الأحكام الصادرة منها، كما تختص بنظر الطعون في الأحكام التي تصدر في تلك المنازعات، فضلا عن اختصاص رؤساء الدوائر الابتدائية بها بإصدار القرارات والأوامر المتعلقة بالتنفيذ، على أن يكون التظلم منها أمام إحدى الدوائر المذكورة. وفيما يتعلق بتشكيل المحاكم الاقتصادية، فتوجد محكمة اقتصادية في دائرة كل محكمة استئناف يندب لرئاستها رئيس بمحاكم الاستئناف لمدة سنة قابلة للتجديد، وقد روعي في تشكيل المحاكم الاقتصادية توفير قدر عال من الخبرة في قضائها، إذ تتشكل المحكمة الاقتصادية من دوائر ابتدائية تتألف كل منها من ثلاثة من الرؤساء بالمحاكم الابتدائية، ومن دوائر استئنافية تشكل كل دائرة منها من ثلاثة من قضاة محاكم الاستئناف يكون أحدهم على الأقل بدرجة رئيس بمحكمة الاستئناف. وإلى جانب درجة الخبرة التي اشترطها القانون في قضاة المحاكم الاقتصادية، فقد اهتمت وزارة العدل باختيار قضاة هذه المحاكم على أساس من الكفاءة وطبقا لرغبتهم، كما تعهدتهم ببرامج مكثفة للتدريب سواء في الداخل والخارج. أما عن الإجراءات أمام المحاكم الاقتصادية فتتميز بالبساطة والسرعة واتباع نظام التحضير في غير الدعاوى الجنائية والاستئنافية والدعاوى والأوامر المنصوص عليها في المادتين7،3 من القانون. فيوجد في كل محكمة اقتصادية هيئة لتحضير الدعاوى والمنازعات التي تختص بها هذه المحكمة. وتتولى هذه الهيئة التحقق من استيفاء مستندات الدعوى ودراستها والاستماع إلى أطرافها وإعداد مذكرة بطلبات الخصوم وأسانيدهم وبالجملة تهيئة الدعوى للحكم فيها، ويحدد القانون لإنجاز هذه المهمة مهلة لا تتجاوز ثلاثين يوما يجوز مدها بحد أقصى ثلاثين يوما أخرى. وفيما يتعلق بتوزيع القضايا والمنازعات التي تختص بها المحكمة الاقتصادية بين الدوائر التي تتشكل منها، تختص الدوائر الابتدائية بهذه المحكمة بنظر مواد الجنح والقضايا التي لا تجاوز قيمتها خمسة ملايين جنيه، بينما تختص الدوائر الاستئنافية بنظر طعون الاستئناف الخاصة بالأحكام التي تصدرها الدوائر الابتدائية، كما تختص بالنظر ابتداء من قضايا الجنايات والمنازعات والدعاوى الداخلية في اختصاص المحكمة إذا جاوزت قيمتها خمسة ملايين جنيه أو كانت غير مقدرة القيمة. وهكذا نرى أن للدوائر الاستئنافية بالمحكمة الاقتصادية نوعين من الاختصاص فهي تحكم بصفة انتهائية في طعون الاستئناف التي ترفع أمامها، ومن ناحية أخرى فإنها تقضي بصفتها درجة أولى وأخيرة في قضايا الجنايات والمنازعات التي تجاوز قيمتها خمسة ملايين جنيه أو تكون غير مقدرة القيمة. وفيما عدا قضايا الجنايات والجنح والمنازعات والدعاوى التي تختص الدوائر الاستئنافية بنظرها ابتداء لا تقبل الأحكام الصادرة من المحكمة الاقتصادية الطعن فيها بطريق النقض، الأمر الذي يضمن تحقيق السرعة في حسم المنازعات واستقرار المراكز القانونية للخصوم. ومن أجل تحقيق نفس الغاية بالنسبة لأحوال الطعن بالنقض في الأحكام التي تصدرها المحاكم الاقتصادية. الأهرام المصرية