من خلال التتبع المتأني، لتجربة وسيرة بنيامين نتنياهو؛ في وسع المرء أن يلاحظ، أنه افتتح اثنين من مستجدات الدولة العبرية ومنافساتها الانتخابية: كان أول من يتسلم مقاليد الحكم، من اليهود الذين وُلدوا بعد ولادتها. ثم إنه في حملته الانتخابية، التي حققت له الفوز في العام 1996 كان أول من اعتمد لغة الحملات الأميركية، بكل فظاظتها، على النحو الذي يكسر تقليداً يهودياً في منافسات الأحزاب والساسة، الذين كانوا يتحاشون التجريح الشخصي، في حملاتهم الانتخابية. ففي تلك المنافسة، استعان نتنياهو بمهارات خبير حملات الحزب الجمهوري الأميركي، آرثر فينكلشتاين، الذي ضمن له شرشحة الناطور قبل أكل العنب. وفي ذلك الوقت، استحث نتنياهو نقداً مريراً، على الرغم من فوزه، لتتكرس حقيقة سفاهته المنفلته في الحياة وفي السياسة. ومن المفارقات، أنه بعد أن غنم فوزاً غير متوقع، وألحق الهزيمة بالذئب العتيق، شمعون بيرس، الذي يغدر ولا يتسافه؛ دارت على نتنياهو الدوائر، بعد ثلاث سنين، ليداويه الجنرال باراك، بالتي كانت هي الداء. فقد امتشق الأخير، سلاح التجريح الشخصي، وشل عرضه، وألحق به الهزيمة، قبل عشر سنوات، من الآن الذي نشهد فيه، تراجع باراك، الى حجم فأر، في الانتخابات الأخيرة! وُلد أجداده وعاشوا في ليتوانيا. وولدت أمه في المستوطنة اليهودية الزراعية الأولى بيتاح تكفا، التي أقامها اليهود على أراضي قرية ملبس الفلسطينية شرق يافا، وسموها بما معناه "مفتاح الأمل" بعد أن انغرست في القلب الجغرافي لبلادنا. هاجمها أهالي القرية الفلسطينية، قبل وعد بلفور بنحو ثلاثين عاماً، حين استشعروا خطرها. وبعد زواج الأم من أستاذ في تاريخ الأساطير اليهودية، عاشت الأسرة الناشئة، في قلب الصراع على الأرض، وفي قلب النصوص التي استحثت هجمة الصهيونية، سيما وأن الأب، الذي أصبح أحد محرري الموسوعة اليهودية، وأحد مساعدي جابوتنسكي؛ ظل ينفث ترانيمه، حتى اقترب من سن المئة! ولد بنيامين نتنياهو، بعد إعلان قيام الدولة اليهودية، وبعد اطمئنان والده أستاذ التاريخ اليهودي، الى وجود إسرائيل. ويبدو أن أبا بنيامين، اختار هجرة أخرى، الى أميركا، لكي يتابع فعاليات تعزيز الدولة، لكي تغزو وتتوسع. كان بيبي، في الرابعة عشرة من عمره، عندما استقرت الأسرة في بنسلفانيا، في ضواحي فيلادلفيا. وما أن يكبر أي من الأولاد، حتى يرسلونه للالتحاق بالقوة الإسرائيلية الخاصة دون غيرها. قُتل شقيق بنيامين الأكبر، برصاص الشهيد الحاج فايز جابر ورفاقه، أثناء الإغارة على الفدائيين، في مطار عنتيبي في أوغندا. والتحق بنيامين بالجيش في العام 67 وتركه بعد خمس سنوات حين عاد للدراسة في أميركا. حاز على تأهيل في الهندسة والإدارة والعلوم السياسية، متقلباًً بين الاختصاصات، كما تقلب لاحقاً بين ثلاث زوجات، فلاحقته النميمة، بسبب إحداهن، حين أصبح في أوج صعوده السياسي! كانت جردة التجربة الأولى له، كأول رئيس حكومة يولد بعد ولادة إسرائيل، وكأصغر رؤساء الحكومات سناً في تاريخ الدولة العبرية؛ خليطاً من المتناقضات: متطرف يتهمه المتطرفون بالتفريط بعد اتفاق الخليل. ابن نصوص الأساطير الجامدة، المترفعة عن متاع الدنيا، ومتهم بالفساد. مسكون بهاجس الصراع وانشغالاته التي لا تُبقي هامشاً لأكثر من امرأة، فإن خرجت واحدة من حياته تدخل أخرى. فائز يَعِدُ بالمزيد من سياسات القهر وسد الأفق، ومهزوم يتنحى عن السياسة. عائد الى الليكود، ومتمرداً على آبائه في الليكود نفسه. متقمص لشخص السياسي اللين والمستجيب، في الغرف المغلقة، وناكث لكل كلام، في الهواء الطلق. سخي الوعود لأتباعه، وانتهازي في التعاطي مع الآخرين. كذوب، قال عنه ناطق سابق باسم البيت الأبيض (جون لوكهارد) إنه شخص فوضوي ومخادع، ومن أكثر البشر الذين يمكن أن تقابلهم، إثارة للنفور. تعرفه هيلاري كلينتون من خلال تجربة زوجها معه، ولعل حقيقة أمره، هي التي جعلت الرئيس أوباما يتجرأ على القول، أمام حشد من الصهاينة في شيكاغو: ليس بالضرورة أن أكون ليكودياً، لكي أبرهن على تأييدي لإسرائيل! ربما تصبح فرصة نتنياهو لتشكيل حكومة، مع جماعته المتطرفين، تجربة استثنائية مثيرة، لمن يرغب في أن يتفرج ولا يشتري. ويمكن للمرء أن يتوقع، بأن يخشى الرجل على نفسه من تجربة كهذه، فيلوذ الى كاديما، دون جماعته، ليكون تالياً، بعد ليفني، في حكومة تكذب به، وتتجمل بها! الحياة الجديدة الفلسطينية