بتشجيع من رشا ، و برغبة من والديها ، دأب الجيران على اللقاء في بيتي مع كل غروب يوم لتناول فنجان شاي ربيع مع حبات من تمور المملكة وهم بالقرب من المدفأة التي تلتهم نارها الحطب بشراهة لتشع الدفء في الأبدان، وأمامهم شاشة التلفزيون التي تنقل صور القتل والهدم والتدمير الذي تمارسه قوات البغي والعدوان وللأسبوع الرابع للقضاء على شعب فلسطين ، فتلهب تلك المشاهد القلوب والوجدان بالغضب والألم. وكان لقاء يوم أمس شاهدا ومشهودا، شاهدا على ما تقوم به إسرائيل من حرب تصفية عرقية ودينية، ومشهودا سيخلده التاريخ لأهل غزة وهم يكتبون بدمائهم ملحمة الفداء والنضال. مؤتمرات القمة العربية المتوالية : الخميس في الرياض، الجمعة في الدوحة ، والاثنين في الكويت كانت موضع استغراب، ففي رأي والد رشا أن القمة كانت مطلبا ملحا في الأيام الأولى للعدوان ليسمع العالم من قادة الأمة العربية كلمة صريحة وقوية بأنهم يقفون إلى جانب أهالي غزة وأنهم سيوفرون للصامدين كل ما يحتاجونه من دعم بالمال والمواد وأنهم سيباشرون وعلى الفور التحرك الدبلوماسي وخاصة لدى من بيدهم أدوات الضغط لإنهاء هذه الهجمة الوحشية، وكانت مقبولة في الأسبوع الثاني، وحتى في الأسبوع الثالث . أما أن تأتي مع بداية الأسبوع الرابع و بهذا الشكل المتدرج من الرياض إلى الدوحة إلى الكويت فهو أمر مثير للظنون – وإن بعض الظن إثم - ، فهناك دماء تهرق وبيوت تدمر وزرع يحرق في كل دقيقة، وأي تأخير في اتخاذ موقف عربي موحد سيزيد الصهاينة غرورا و تجبرا فيكثفوا أعمالهم العدوانية للقضاء على الحياة في قطاع لا يخاف أهله من الموت. تدخلت والدة رشا لتقول بأن وزراء الخارجية العرب هم في شبه اجتماع دائم منذ اليوم الأول للعدوان وشارك بعضهم في الجهود الدولية التي أدت إلى إصدار مجلس الأمن قرارا بوقف فوري لإطلاق النار، فصدرت عن الجار لويس ضحكة استهتار اتبعها بالقول بأن قرار مجلس الأمن ولد معاقا لا يملك آلية التنفيذ، وهذا يعني بأن من لم يستخدموا قرار الفيتو قد رفعوا أيديهم بما يعني الموافقة على القرار الدولي ذرا للرماد في العيون العربية بينما هم يعطون إسرائيل مزيدا من الوقت لمواصلة أعمالها العدوانية من إبادة وتصفية عرقية ودينية. وتساءلت رشا عن اتفاقية الدفاع العربي المشترك وعما إذا كان من بين بنودها ما يسمح للجيوش العربية بدخول قطاع غزة للوقوف إلى جانب إخوتهم من أهالي القطاع، فجاء الجواب و من دون سابق توقع من محلل سياسي ظهر على الشاشة فتوقفنا عن الكلام المباح لنستمع إلى الكلام الصواب، وكان السؤال عن مبرر لجوء الدول العربية إلى مجلس الأمن مستجدية وقف العدوان ، دون اللجوء إلى معاهدة الدفاع العربي المشترك، فكان جوابه بأن ما من قوة عربية أو إقليمية بوسعها المغامرة ودخول حرب مع إسرائيل التي تملك من الترسانة العسكرية والبشرية ما لا تملكه الدول العربية مجتمعة. إجابة لم ترتح لها والدة رشا ، عبرت عن ذلك بقولها: عذر أقبح من ذنب، فالعالم يعرف كم صرف على الجيوش العربية منذ نكبة فلسطين عام 1948 وحتى اليوم من أموال لبناء الجيوش وتجهيزها بأحدث الأسلحة اقتطعت من قوت الشعوب وعلى حساب حريتها ورفاهيتها. وعاد والد رشا ليقول بأن الشعوب هي التي تقوم بتحرير أراضيها من المحتلين، وإرادة الشعوب تتحدى قوة جيش المحتل وما يملكه من أسلحة تدمير، ولدينا العديد من الأمثلة القريبة العهد منها فيتنام وقد طرد منها الفرنسيين أولا ومن بعدهم الأمريكان، وأفغانستان وقد طرد منها البريطانيين أولا ومن بعد السوفييت، ولبنان وقد خرجت منه القوات الإسرائيلية في جنح ليل 24 مايو 2000 ، وثانية في الأول من أكتوبر 2006 بعد حرب تموز التي أبقت على صمود المقاومة اللبنانية. واليوم نشاهد صمود أهالي غزة و قد دخل العدوان أسبوعه الرابع وحصد منهم الآلاف ما بين شهيد و جريح ، ويتابع القول بأن إرادة الشعوب هي المنتصرة في المحصلة، ولولاها لما شاهدنا الجيش المصري يعبر قناة السويس في أكتوبر 1973 ليلغي من الخارطة خط بارليف وأسطورة جيش إسرائيل الذي لا يقهر، فوقتها كان الشعب المصري متعطشا لاستعادة كرامته بعد نكبة 1967 وكانت قيادته تلبي تلك الرغبة فكان النصر الذي لم يرتح له صهاينة فلسطين والغرب والولايات المتحدة فعملوا معا على ثغرة الدفرسوار التي أدت في النهاية إلى عزل مصر عن القضية الفلسطينية ، ولذا نراها اليوم تقوم بدور الوسيط بين الفلسطينيين والإسرائيليين مثلها مثل أي وسيط آخر. وهنا ظهر على شاشة التلفزيون شريط خبر عاجل يفيد بأن الطائرات الإسرائيلية قصفت مقر الأونروا التابع للأمم المتحدة والعديد من المستشفيات فرددت ما قاله الشاعر الأندلسي ابن النحوي: اشتدي أزمة تنفرجي قد آذن ليلك بالبلج، وظلام الليل له سرج حتى يغشاه أبو السرج. وافترقنا على أمل يوم قادم قريب إن شاء الله ، تعود فيه الشمس لتضيء سماء قطاع غزة وقد انقشعت عنه طائرات القتل وغازات الأسلحة المحظورة دوليا.