الغزو الفكري هو مصلطح حديث يعني مجموعة الجهود التي تقوم بها امة من الامم للاستيلاء على فكر ومقدرات أمة أخرى، أو التأثير عليها حتى تتجه وجهة معينة، وهو أخطر من الغزو العسكري لأن الغزو الفكري ينحو إلى السرية وسلوك الطرق الخفية في بادئ الأمر فلا تحس به الأمة المغزوة، ولا تستعد لصده، والوقوف في وجهه حتى تقع فريسة له وتكون نتيجته ان هذه الأمة تصبح مريضة الفكر والاحساس تحب ما يريده لها عدوها ان تحبه وتكره ما يريده منها أن تكرهه. إن الغزو الفكري داء عضال ، يفتك بالأمم ويذهب شخصيتها ويزيل معاني الاصالة والقوة فيها، والأمة التي تبتلى به لا تحس بما اصابها، ولا تدري عنه، ولذلك يصبح علاجها امراً صعباً وافهامها سبيل الرشد شيئاً عسيراً، خاصة اذا كانت الطبقة المثقفة تستمرئ هذا الدخيل ، ولا تعارضه فكرا وسلوكا، او تقومه ماديا او معنويا. وقد تعرضت الامة العربية والاسلامية لغزو فكري عظيم تداعت به عليها أمم من الشرق والغرب، اغتنمت هذه الأمم ضعف الأمة في عقيدتها، وتفكك نسيجها الثقافي والاجتماعي وقررت الاستيلاء على فكر وقلب الناشئة لأن العربي المسلم الذي لم يلوث فكره لا يطيق ان يرى الدخيل المستعمر له الآمر والناهي في بلده، ولهذا يعمل بكل قوته على اخراجه وابعاده ولو دفع في سبيل ذلك حياته واغلى ثمن لديه. وعندما تعرضت الامة للغزو الفكري الخبيث، صار الانسان مريض الفكر، عديم الاحساس، لا يرى خطرا في وجود الدخيل في ارضه، بل قد يرى ان ذلك من علامات الخير، ومما يعين على الرقي والحضارة، وقد استغنى المستعمر بالغزو الفكري ووسائله عن الغزو المادي لأنه اقوى واثبت من اي حاجة لهم في بعث الجيوش الجرارة وانفاق الاموال، مع وجود من يقوم بما يريدون من ابناء الامة عن قصد او عن غير قصد، وبثمن او بلا ثمن. وقد نجح المستعمر للفكر في تثبيت المنطلقات واقامة الركائز وايجاد المؤسسات التي تقوم بالحرب الفكرية مع اشاعة الفتنة والبلبلة في صفوف المثقفين حتى اججت نيران العدواة والكراهية واصبحوا شيعا متفرقين ليسهل عليهم اصطيادهم بأدواته الرخيصة الماكرة. الوسائل التي يستخدمها الغرب لترويج افكاره في امتنا كثيرة، فهو يحاول جهده الاستيلاء على عقول الناشئة وترسيخ المفاهيم الغربية فيها، لتؤمن ان الطريقة الفضلى هي طريقة الغرب في كل شيء، سواء فيما يتعلق بالاعتقاد أو الاخلاق او السلوك أو العادات والطرائق، من اجل ذلك رعت وجندت طائفة كبيرة من ابناء الأمة في كل بلد، وقد ربتهم وركزت العناية بهم حتى تشربوا الافكار الغربية واحاطتهم بهالة عظيمة من المدح والثناء حتى روجوا باخلاص للافكار الغربية، وانشأت المؤسسات التعليمية المؤثرة المسايرة للمنهج الغربي أو الخاضعة له ترجمة عملية لصدق وحسن النوايا. ومن الوسائل الفتاكة للغزو الفكري محاولة السيطرة على مناهج التعليم ورسم سياستها، اما بطريق مباشر او بطريق غير مباشر، حتى ان بعض الخريجين من هذه المؤسسات التعليمية اصبحوا معول هدم في أمتهم، وسلاحا فتاكا من اسلحة الغزو الفكري وهو يعمل جاهدا على توجيه التعليم توجيها علمانيا لا يرتكز على الايمان بالله والتصديق برسوله الكريم، وانما يسير نحو الالحاد ويدعو إلى الفساد. ومن وسائل الغزو الفكري الدعوة إلى افساد المجتمع وتزهيد المرأة في وظيفتها في الحياة، وجعلها تتجاوز الحدود التي رسمها الله لها من خلال الدعوة المأزومة الى انحلال رابطة الاسرة، لأنهم يرون ان تماسك الاسرة العربية المسلمة والتزامها بالضوابط الشرعية والاخلاقية خطر عظيم يهدد وجودهم، فهم يشوشون على المرأة، ويدعونها إلى التمرد بدعوى القمع من الرجل، وان حقها مهضوم وينادون بعمل المرأة في كافة المجالات،سواء أكانت مناسبة بطبيعتها أو غير مناسبة.انهم يريدون افساد المجتمع من خلال المرأة ولو على حساب تدمير الأسرة، والقضاء على الطهر والعفاف واشغال الناس بقضايا وهمية تدميرية، ودعاوى باطلة، حتى تنصرف الامة عن النظر في قضاياها المصيرية، وقيمها العليا والتي جعلتها خير امة اخرجت للناس. هذه بعض الوسائل التي يسلكها اعداء الأمة في سبيل غزو افكارهم، ابناء الامة، وتنحية الافكار السليمة الصالحة لتحل محلها افكار مسمومة، وهي تبذل جهودا جبارة واموالا طائلة، كل ذلك للوصول الى الهدف المخطط له، ولن يتراجع هؤلاء عن مطامعهم ما دامت الأمة في ضعفها مشتتة الشمل، كل يغني على ليلاه، والأمر يحتاج من أبناء الأمة المخلصين وقفة عقل ونظر في الطريق السوي الذي يسلكونه، والموقف المناسب الذي يجب أن يقفوه، وان يكونوا من الوعي والادراك ما يجعلهم قادرين على فهم مخططات اعدائهم والعمل على احباطها وابطالها، ولن يتم ذلك الا بالاعتصام بحبل الله المتين والتوكل عليه، وتذكر هديه في كل شيء وخاصة في علاقة المؤمنين بغيرهم من اعداء الدين والأمة "والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون". كثيرون الذين يحبون امريكا لانها كانت - وللانصاف- واحة الليبرالية الاجتماعية والاقتصادية وحتى السياسية، وكان هذا الحب، قبل أن يسيطر على واشنطن زمرة المحافظين الجدد بأوهامهم الامبراطورية ويمينيتهم السياسية المغرقة في الغلو، والتي صاغتها دينية أكثر خطورة وفاشية من أية عقيدة سياسية او دينية اخرى على الارض. فما معنى ان يستفز رئيس امريكي مثل "بوش الصغير" مشاعر مليار ونصف مسلم يشكلون دولا متحضرة وشعوبا واعية صقلتها ثقافة تدعو الى التسامح والعدل والمساواة بين البشر بحجة ان فئة محدودة من التكفيريين والعدميين تخطط لتفجير طائرات مدنية في بريطانيا وامريكا؟ ألم تستق هذه الفئة ثقافة الشر من السياسة الامريكية الهوجاء والعدوانية المفروضة على العالم كله، ومن ممارسات الصهيونية ومبادئها السوداء ذات الاهداف التوسعية التي خرجت عن كل المعايير الاخلاقية التي عرفها الانسان. بوش هذا الذي لا يخجل من مباركته لقتل النساء والاطفال في لبنان وفلسطين والعراق وافغانستان وباكستان يتبجح بذلك امام وسائل الاعلام يصف المقاومة الشريفة والنظيفة في هذه البلاد بالارهاب، ولا يعتبر ارساله القنابل الذكية لليهود لقتل المدنيين الابرياء ارهابا بل دفاع عن النفس. لا نعتقد ان هناك مسلما حقيقيا واحدا يقر الاعمال الاجرامية التي ترتكبها العصابات المضللة التي تدعي الاسلام وتستهدف الاطفال والنساء ودور العبادة واضرحة الاولياء، لكن الكل يعرف في الوقت ذاته ان هذه العصابات انتجتها ثقافة "الكاو بوي" اللا أخلاقية وأن ما قاله "بوش الصغير" خلط قبيح بين المقدس والمدني والحق والباطل، وتشويه مقصود للاسلام بنوايا مبيتة ولأهداف واسعة خبيثة. مدير عام وزارة التخطيط /متقاعد فاكس 665839