عندما واجهت حكومات العالم النامي التغيرات التي حدثت بفعل سياسي (عالم ما بعد الحرب الباردة - الاضطراب) او اقتصادي (العولمة) كان عليها وبالقسر ان تعيد هيكلتها بدءًا من النظام السياسي ومروراً بالنظام الاقتصادي، وصولاً إلى نهاية قرية كونية تحكمها ثقافة إلحادية (ما بعد الحداثة)، وجاءت هذه الهيكلة في صياغة تشريعات ووضع أنظمة وتأسيس أجهزة، ورسم سياسات عامة واقتصادية منها قائمة على تلك البنية التحتية، وما بني عليها من طوابق، وكل هذا يؤكد على الارتباط بين ما هو سياسي وبين ما هو اقتصادي وبين ما هو تنظيم (تشريعي) فلا يمكن الحديث عن الخصخصة دون وجود قرار سياسي، ولا يمكن السير في عمليات خصخصة القطاع العام ومؤسساته دون ان يكون هناك تنظيم (تشريع)، ولا يمكن الحديث عن واقع للاستثمار الاجنبي، دون وجود تنظيم، وكذلك لا يمكن الحديث عن انتخابات دون وجود (تشريع) وهكذا. لعل هذه بديهية ما كانت تحتاج الى تلك المقدمات، ولكن هذه البديهية متصورة عقلاً، ولكن حينما يقول الواقع بعدم وجودها، فاننا بحاجة الى الحديث عنها، لا تأسيساً ، فقد تكون مواد النظام الحاكمة موجودة، ولكن تطويراً، والتطوير إما أن يكون الحاقيّاً بركب الدول المتقدمة ماديّاً لا انسانيّاً، وهنا تبرز مشكلات التكريس للمركزية الغربية، واستيراد الفكر الايديولوجي، وإضعاف الهوية لتأخر حامليها فكراً ومعرفة ومنهجاً عن استخراج مواد التنظيم والتأسيس المؤسساتي من القرآن والسنة النبوية الشريفة وما تدلى منهما من فكر اسلامي صحيح، وما يترتب على ذلك من تحارب ابناء المجتمع، وانقسامه إلى صفوف عدة قد تتقاطع في بعض خطوطها وقد تتعارض في المساحة الأكبر حجماً، وهو ما يفقد المجتمع صفة العضوية (كالجسد الواحد.. الحديث) والتشكيل الهندسي "البنيان المرصوص" ولهذا لا تجد في الاستعمال الكاذب لحق التعبير تداهناً (التسامح) في الاعلان عنه وتداوله، لانه يمزق الجسد، ويصدع البنيان.. واما ان يكون التطوير استجابة للواقع (جدلية الفكر والواقع) حيث تظهر الحاجات معبرة عن نفسها، او عبر تعبيرات المشكلات، وهذا الصنف من التطوير هو الذي يكون أكثر مردودية، لأنه استجابة للواقع، فهو بالتالي إشباع حاجة حقيقية لا تلبية لرغبات. دكتوراه في فلسفة الاقتصاد المعياري