الحج الموسم الذي جعله الله للمؤمنين عبادة تطهرهم من الآثام وتمحو عنهم السيئات حتى يعودوا من رحلته كما ولدتهم أمهاتهم دون ذنوب، بصفحة بيضاء العاقل منهم من يملؤها بعدئذ بالحسنات، التي يضاعفها الله له حتى تجعل حياته الدنيوية مطمئنة سعيدة ، وتوصله إلى مبتغى كل مؤمن يوم القيامة وهي الجنة ، هذا الموسم العظيم كان في الماضيي لقاء بين القادمين للحج من شتى بقاع الدنيا وأهل هذه البلاد ثريا، فكل فئة أو أهل حرفة يبحثون عن أمثالهم من القادمين إلى الحج يدعونهم إلى لقاءات معهم ، يتحاورون ويستفيد كل طرف من الطرف الآخر، فكان مثقفوا هذه البلاد من علماء وأدباء ومفكرين يبحثون عن مثلهم من القادمين للحج يتفاعلون معهم ، ويطلعون على ما عندهم من أفكار، ويتبادلون الخبرة والتوق الى النهوض بشأن البلاد والعباد ، فكانت ساحة الأرض المقدسة بأم القرى وطيبة تتوالى فيها اللقاءات منذ بدء الموسم وحتى نهايته، فلا يرحل الحاج إلا وقد حمل معه ما يتحدث به عن محاسن هذا الوطن وتسامح أهله. ثم جاء زمن لم يعد للناس فيه نفس الاهتمامات، ولعله قد أشغلهم مشاريع مادية تؤول ثمارها المادية لهم بنفع كبير، فلا يعنيهم حينئذ التواصل، أم أن هذا التواصل انحصر في قنوات رسمية تشرف عليها جهات حكومية تحدد مسبقاً لون هذه اللقاءات ومايطرح فيها للنقاش، فنفرمنها الطرفان ولم يعودوا يرون لها فائدة تذكر، أم أن هذا يعود إلى سرعة الحركة في هذا العصر المضطرب ، والتي جعلت فترة الحج تتقلص حتى لايصل إلى الديار المقدسة أغلب الحجاج إلا قبل أيام الحج المعدودة بأيام قليلة ، يشتغل فيها الحاج بالأنساك ، ومنهم من لايتمها على طريقة سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم _ الذي قال لنا : " خذوا عني مناسككم" ثم ضرب للناس المثل بفعله. فجاء الناس في هذا العصر ليهدروا من الأنساك بعضها بحجة أنهم يفدون عنها بدم، ويلتحقون بأعمالهم الدنيوية التي تتنظرهم، المهم أن هذا الجانب الذي أتحدث عنه غاب عن مواسم الحج إلا ما ندر، كالذي تقوم به بعض البيوت العلمية في أم القرى وماحولها، من دعوة بعض العلماء الحجاج ليلتقوا برواد هذه البيوت ممن يستمعون للعلم والموعظة، وهي في ظني قليلة، ولعل بعضها قد تلاشى ولم يعد له وجود، إن اللقاءات التي تتم مرة في موسم الحج فوائدها عظيمة فهي تؤسس لوحدة مشاعر بين المسلين ووحدة غايات تستثمر، وتعرفهم على ثقافاتهم المتنوعة فهل نجد في هذا الأوان طرق أجدى وآمن لمثل هذه اللقاءات ، وهو ما أرجوه والله ولي التوفيق. ص.ب 35485 جدة 21488 فاكس 6407043 [email protected]