.. بأسلوب مبسط.. بدون تنسيق.. أسجل قصتي في شهادتي هذه للتاريخ بمناسبة التفاعل مع (معرض) الفيصل: شاهد.. وشهيد. ذلك المعرض الذي يتحدث عن شخصية الفيصل العظيم "ولا عظيم إلا الله" وإبراز مواقفه وحكمته وإنسانيته ووفائه النبيل النادر.. ليبقى التاريخ شاهداً.. على رجاحة وحكمة الفيصل الشهيد بإذن الله.. كونه.. هو أول رائد للتضامن الاسلامي بين الشعوب. .. وهو.. أول من فتح مدارس ومعاهد تعليم البنات الرسمية في المملكة.. .. وهو.. أول من أسس وأقام محطات (التلفاز) في ربوع هذه الجزيرة. .. وهو.. الملك الذي وقف وتقدم جميع الملوك ورؤساء العالم.. ضد الاستعمار والمستعمرين الصهاينة. .. وهو.. (الملك) الذي قال في خطبة مشهورة ومسجلة أمام العالم : .. وإن كتب لي الله الموت، فاتمنى أن أموت شهيداً..؟ فمات "شهيداً" كما طلب وتمنى. وآخر كلمة لفظ بها رحمه الله بعد شهادة الله قال: "أمرك يارب" وفاضت روحه الطاهرة إلى الفردوس الأعلى بإذن الله. .. والقصة التي أكتبها على صفحات البلاد الغراء لموقف مررت به شخصيّاً .. حينما قابلت الملك وجهاً لوجه عام 1385ه أي قبل خمسة وأربعين عاما.. أسجلها لوفائه النادر وموقفه الإنساني مع كل شخص قدم له خدمة.. وقوفي أمامه لن أنساه طوال عمري.. في غير تزلف أو مديح وأروي للقارئ الكريم واحدة من القصص الكثيرة التي تسجل عن ذلك الراحل الشهيد. وحتى يطمئن القارئ. قبل ان أدلى بشهادتي في هذه القصة.. أضع قسمي بين يَدَيِ الله.. لأني سوف أسأل عن كل كلمة وحرف في هذه الشهادة.. وكما أقسم سيدنا موسى عليه السلام بالحق عز وجل. فأقول: " حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق.." الآية 105 سورة الأعراف. وقبل تفاصيل القصة .. أطلب المعذرة لأسجل الفرحة التي غمرت الشعب السعودي يوم مبايعته ملكاً على البلاد بتاريخ 27/11/4831 إذ برهن الشعب على حبه العميق وولائه الشديد للفيصل سليل الملوك وشاهدت في جدة يوم البيعة في ميدانها أمام مبنى وزارة الخارجية المطل على (بحر الأربعين) شاهدت جلالته.. في طلعته البهية وهيبته.. في تواضعه. وكنت آنذاك في العشرين من عمري.. وقصة شهادتي بعد عام من توليه الملك.. إذ سكن بجوار دارنا في مكة / المعابدة حي الخرمانية (الحي أصبح حالياً مقرّاً لمبنى أمانة العاصمة المقدسة جوار قصر السقاف " رجل ضرير مع زوجته وبناته.. وليس له من الذرية ذكور.. وكان سكان الحارة يشفقون عليه ويساعدونه على قضاء حوائجه. وكان وبعد مضي قرابة نصف قرن.. ليس من مانع أن أذكر اسمه للتاريخ إنه العم/ سالم بكر بصفر (رحمه الله).. وفي ذات مساء من عام 1385ه جاءني مُرْسَلٌ منه يستدعيني لداره.. وعندما حضرت قال: أريد أن تكتب لي عريضة للملك فيصل وتقوم بإيصالها له في الطائف.. قلت له وهل أدخل بها على الملك. قال نعم.. فأخذت ورقة وكتبت ما يمليه علي.. "كما أتذكر بعض فقرات العريضة" (من خادمكم في قصر "جبرة" بالطائف الضرير سالم إلى الملك فيصل بن عبدالعزيز رئيس مجلس الوزراء المعظم.. فبعد أن أقعدني الكبر.. واعتلال البصر. وذريتي من البنات فقط ليس لهن سكن أو مأوى بعد مماتي. ألتمس من جلالتكم وأنا خادمكم وخادم أبنائكم في قصر جبرة بالطائف، أطلب إعطائي منحة أرض سكنية في مكةالمكرمة. .. كتبت تلك العريضة باسمه.. وسجلت في آخرها عنوانه بواسطة دكان بكر بن عبود. جوار قصر السقاف.. وبعد يومين أو أكثر. ذهبت من مكة إلى الطائف.. واتجهت إلى قصر شبرا حيث كان يداوم الملك المؤمن الشهيد رحمه الله.. وأصف هذا للقارئ بصدق وبدون زيادة أو نقص ما حصل. .. عندما وصلت إلى قصر شبرا.. والعريضة داخل ظرف في جيبي.. وكان دخول المراجعين من الباب الجانبي للقصر.. وجدت على الباب عسكريًّا واحدًا فقط.. قلت له أريد مقابلة الملك فيصل.. قال : تفضل إلى الدور الأعلى تجد المكتب هناك . وفي كل بسطة من الدرج يقف عسكري واحد.. دون أن يسألني أحد ماذا تريد من المقابلة؟ .. ودون أن يفتشني أحد.. دخلت إلى باب المكتب.. عبارة عن غرفة صغيرة على يمينها (موظف جالس) لا أعرف اسمه أو رتبته ، قلت له بعد السلام.. أريد مقابلة الملك لموضوع خاص.. قال : تفضل بالجلوس.. وعندما يفتح باب الصالون الأمامي. تفضل بالدخول.. وأقسم بالله أنه لم يسألني أحد ماذا أريد.. أو ماذا أحمل في الرسالة.. "وكان عادة الملك فيصل أن يستقبل كل مواطن على حدة.. حفاظاً على كرامة كل صاحب حاجة". وبعد أن انتظرت عدة دقائق فتح باب الصالون.. وأمامه رجل بالزي العسكري لا أعرف ما هي رتبته وبجواره خوي يتمنطق بالمجند والسيف.. بجوار الباب وأما الملك فَفِي الصدر ليس بجواره أي حارس فقال لي الضابط : تفضل بالدخول.. وإذا بي أمام ملك عظيم يتصدر الصالون الطويل. خلف ماصة متواضعة.. بجوارها هاتف أسود.. وقلم رصاص (مرسمه).. وعندما اقتربت من الماصة سلمت على الملك.. وقلت له أنا (فلان) مُرْسَلٌ من خادمك بقصر جبرة سابقاً "سالم بصفر" ، ومعي عريضة منه يطلب منحة أرض.. رفع نظره الحاني إلى وجهي.. وقال : أنت قريب له؟ .. قلت : بل جار سكن بجوارنا العم سالم، وطلب مني تسطير هذا الطلب وتقديمه لكم.. فتح الملك العريضة ونظر إليها سريعاً.. وسألني عن صحة هذا الرجل.. وهل طلب شيئًا غيره.. قلت : هو بخير وصحة ويسكن مع بناته في دار بالإيجار. قال الفيصل: "أبلغه السلام.. وقل له يقول لك فيصل : يجيك طلبك لحدك" ثم استدعى موظفًا من مكتب مجاور على يمين جلوس الملك.. وحضر ذلك الموظف. واستمع إلى كلمات منه.. ما سمعت ما قاله له.. ثم ناوله العريضة.. فقال لي الموظف : تعالَ معي.. دخلت إلى المكتب المجاور.. وسألني عن العنوان الكامل للعم بصفر، وقلت له : يسكن بالمعابدة / حي الخرمانية. جوار قصر السقاف بواسطتي أو دكان بكر بن عبود.. ثم سجل الموظف على ورقة صغيرة العنوان. وقال : قد أمر الملك بمنح هذا الرجل قطعة أرض مناسبة في مكة 30 × 30 فقلت له : كيف أعرف، أو يعرف هذا الرجل أن الأمر صدر..؟ قال لي. اترك هذا.. فالملك وجهني وسوف تصلكم تذكرة المراجعة على العنوان. "ملاحظة خاصة" كان من عادة الملك فيصل أن يكتب خطابه مباشرة لمن يريد.. وحتى عندما أمر بتعيين الأستاذ عبدالله عريف أمينًا للعاصمة. وجه الفيصل خطابًا "لعبدالله عريف مباشرة" مرفق صورة خطاب الفيصل مع هذا المقال. .. غادرت قصر شبرا بالطائف وعدت إلى مكة وشرحت للعم سالم بصفر ما دار من حديث وعن سؤال الملك.. ولم يمض خمسة عشر يوماً تقريبا أو أكثر.. وإذا بظرف من البريد يصل إلى دكان/ بكر بن عبود. معنون باسمي يسلم ليد/ سالم بكر بصفر. والظرف يحمل أكلشيه رئاسة مجلس الوزراء على ما أذكر.. ذهبت فرحاً إلى دار العم سالم وأخبرته بالظرف الوارد. وقال افتح واقرأ عليّ ما فيه وعندما فتحت الظرف وجدت (تذكرة/ نمرة/ مراجعة لأمين العاصمة. تحمل رقماً وتاريخاً.. وفي أسفلها الموضوع منحة أرض للمواطن سالم بصفر.. فرحت وفرح ذلك الضرير باهتمام الملك ووفائه.. وطلب مني إتمام مساعي الخير.. ومراجعة أمين العاصمة.. بعد أسبوع تقريباً تمكنت من مراجعة أمين العاصمة الأستاذ عبدالله عريف "رحمه الله" ودخلت عليه وبيدي تلك التذكرة، وعرفته بنفسي.. وأنني جار لصاحب هذا الطلب لكونه ضريرًا لا يستطيع المراجعة بنفسه.. فلم يطلب مني وكالة.. بل قال : أنت فلان.. ابن (فلان) والدك كان زميلي في مدرسة الفلاح.. قلت له نعم. والوالد بخير ويعمل حالياً أمين صندوق لشركة الكهرباء لدى الشيخ إبراهيم الجفالي.. قال سلم لي على الوالد.. ثم طلب مني الجلوس في المكتب. واتصل بالهاتف على رئيس الأراضي والمنح على ما أذكر آنذاك الأستاذ عبدالله العومي. ولما حضر قال (العريف) أحضر الأمر الكريم الخاص بمنحة المواطن/ سالم بصفر. وعندما أحضر خطاب الأمر.. إذا بأمين العاصمة يقول للمسؤول أتعرف أن الملك فيصل وضع بخط يده تحت توقيعه عبارة.. (لا أدري هل قال تنجز حالاً) أو تنفذ فوراً.. وطلب من المسؤول سرعة إنجاز المنحة وتسليم الأرض مع صكها من كاتب عدل في موعد لا يتجاوز عشرة أيام.. وحثه بشدة على المسارعة. قائلاً إن الملك مهتم بأمر هذا المواطن صاحب المنحة. .. وفعلاً استلمت أرض المنحة في موقع بحي الشهداء بالقرب من مسجد التنعيم على الشارع العام وسلمت صكها الذي قام بإجرائه ذلك المسؤول.. للعم سالم. وعلمت بعد وفاته رحمه الله أن بناته ضاقت بهن الأمور وقمن بتوكيل شخص باع لهن تلك الأرض..؟ إلى هنا.. أسجل تلك الشهادة بكل صدق وأمانة. لوفاء ذلك الملك رحم الله (الشهيد) الذي كان لوفاته رنة حزن خيمت على الشعب السعودي والعالم بأسره.. وقد سجلت شيئًا من إعجابي به في مقال حيث تولى (الفيصل) رئاسة الوفد السعودي إلى (مؤتمر القمة العربية الثاني) في الإسكندرية من 5 - 11 سبتمبر عام 1964م المصادف 29/ 4/ 1384ه حينما كان نائباً للملك ورئيساً لمجلس الوزراء بجميع الصلاحيات للملك. ومن توفيق الله بعد شهرين من مؤتمر القمة العادية الثاني بويع الفيصل ملكاً على البلاد بتاريخ "27/ 6/ 1384ه" وكتبت في جريدة عكاظ آنذاك مقالا عنوانه على ما أذكر ".. مؤتمر القمة العربية الثاني.. نقطة تحول في تاريخ الأمة العربية..". وللأسف ضاعت مني تلك الجريدة.. ومن يجد ذلك المقال له الشكر. رحم الله الملك الشهيد.. وأسكنه الفردوس الأعلى.. ورحم الله المؤسس الباني الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود وأبناءه الملوك البررة.. وأسأل الله أن يحفظ لنا خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله وولي عهده الأمير سلطان وإخوانهم الكرام.. وأن يجعل التوفيق والنصر لأبناء الشهيد الفيصل ويبارك له في الأبناء والذرية.. وأن يديم ملكهم ما دامت السموات والأرض. إنه على ما يشاء قدير.. وبالإجابة جدير. وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. التواصل/ بواسطة ص ب 2081 مكةالمكرمة - ه/ 5460025