من المفترض أن ينخفض الاستهلاك في رمضان باعتباره شهر الصوم، والأصل في ذلك أن قليل من الطعام يكفي بما يتماشى مع مقاصد هذه العبادة العظيمة .فالصيام مدرسة في الصبر والقناعة وضبط النفس والشهوات .والأصل في حياة الإنسان المسلم هو التوجيه النبوي في قوله صلى الله عليه وسلم :"ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه ..بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لابد فاعلا فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه " وهذا ما يجب أن يكون عليه المسلم لأن فيه الصحة والعافية وعدم إرهاق الجسم أو الإصابة بعسر الهضم .ولكن الذي يحصل هو العكس من ذلك وابتعدنا كثيرا عن التوجيهات النبوية الشريفة، وحتى عن عادات نراها في الغرب وعقر دار الحضارة المادية حيث يشتري الفرد والأسرة على قدر الاحتياج لا حسب الرغبات، فهم يشترون بالكيلو وبالنصف كيلو ونحن نشتري بالكرتون وبالدرزن من المواد غير الأساسية وإنما هي رغبة، ومن هنا تتشكل ملامح واتجاهات السوق والأسعار بزيادة الطلب، والخلل حاصل دائما بالاستهلاك الزائد . لقد شهدنا موجة غلاء غير مسبوقة ووجدنا الجميع يركب الموجة ويتكسب بأرباح غير معقولة تدخل في المرفوض شرعا بالغلاء على الناس، ومع ذلك لا يزال المستهلك على نفس معدلات في الشراء، بدلا من أن نراجع عاداتنا الشرائية، فنحن من يساعد على الغلاء بحمى الاستهلاك، ولو التزم المستهلكين بحاجاتهم الضرورية ويستشعرون حلاوة الإيمان وصدقه والعمل بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم :"من بات آمنا في سربه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بأسرها " .وإذا كان المسلم يصوم عن الطعام والشراب قبل الفجر وإلى أذان المغرب، وما يتبع ذلك من صوم عن محظورات الصيام وما يبطله من شهوات وإساءات للغير، وتكثر من الطاعات في الشهر الكريم فإن من الواجب أن نحقق معاني الصوم الحقيقية وليس الامتناع فقط عن الطعام والشراب ثم إطلاق العنان لشهوة البطن والإسراف في الطعام فهنا يكون الصائم كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم :"رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش " . إن جزء كبير من أسباب الغلاء هو من صنع عاداتنا وسلوكياتنا الشرائية، ولو أخذنا بقدر حاجتنا وأكلنا وشربنا دون إسراف، وحافظنا على النعم، فإن في ذلك شكر لله، وبالشكر تدوم النعم، فكم من الأموال تنفق على مشتروات يخرب بعضها، والتخلص من فائض الطعام يوميا بالقمامة، فأي سلوك هذا وكيف يستقيم تطبيقنا لتعاليم الإسلام المختلفة التي فيها الخير في الدارين وفيها سعادة الإنسان وعافيته . إن شهر الصوم هو شهر الخير للنفوس يزكيها ويطهرها وينقيها ويزيد من صلتنا بالله العلي القدير، وليس الشهر الكريم فرصة للتمتع بما لذ وطاب فتثاقل الأبدان والأذهان عن العبادات والعمل وصلة الأرحام .ولو راجع كل منا ميزانية أسرته في شهر رمضان مقارنة بغيره من الشهور لوجدها ميزانية شهرين معا إلى جانب الاستعداد للعيد، فكيف بذلك نحارب الغلاء ونحن نضع أنفسنا فريسة له طوعا ودون أدنى إرادة على القرار الشرائي الصحيح، ولا نعلم أبناءنا كيف يتحملون مسؤوليته، فمن اعتاد على الإسراف وهو مع أهله سيكون الإسراف طريقته في الحياة، والبنت التي لا تتعلم من أهلها التدبير وتعيشه معهم، لن يكفيها ما هو في حدود استطاعة الزوج ولن يشعروا بالاستقرار والسعادة ..أرأيتم أن المستهلك مسؤول، وأن البداية الصحيحة يجب أن نمارسها مع مقاصد شهر الصوم .نسأل الله أن يبلغنا رمضان وأن يتم علينا نعمة الصيام والقيام، وكل عام وأنتم بخير . حكمة : قال تعالى :"إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا " . للتواصل : 02 6930973