بين المسلسلات التاريخية الموغلة في القتل والدماء والدراما الغارقة في السفه، تبدو أزمة ثقافة الأمة ومأزق هويتها ..وأرى في شهر رمضان فرصة لطرح هذه القضية وما تعكسه من ازدواجية خطيرة في فضائياتنا العربية، وتناقضات تغلغلت في حياة المسلمين ..فما إن يبدأ شهر الصيام حتى تتبارى معظم الفضائيات في تقديم كل ما يتناقض مع روحانياته، ونرى كل المشهيات والملهيات حاضرة فيها إلا جوهر رمضان . لكن دعونا من هذا الجانب فقد خاض فيه الكثيرون ولا حياة لمن تنادي، ولندخل مباشرة في موضوعنا وتحديدا المسلسلات التاريخية ..هل بات لها جدوى ..وأية قضية تخدم؟ ..هل تشرح للأجيال تاريخ الأمة والإسلام؟ ..لا نخدع أنفسنا فمجتمعاتنا يتزايد إقبالها على الأفلام الأمريكية والمسلسلات التركية وفضائيات الغناء والفيديو كليب . السؤال الأهم تحديدا : هل مناظر السيوف والدماء وترديد تقسيمات " المؤمنين والكفار " تدافع بذلك عن الإسلام، في وقت يتعرض فيه لهجمات عدائية شرسة من مفكرين متعصبين ومؤلفين ورسامين وإعلاميين مغرضين وأفلام مثل ( الفتنة ) الذي أغضبنا ..فماذا دهى بعض الفضائيات العربية خاصة المحسوبة على بلادنا بين إفراط في اللهو و التفريط في روحانية رمضان، وبين أفلام تقدم التاريخ بصور خاطئة يراها الآخر بعيونه هو وبخلفيته الخاطئة عن المسلمين والإسلام وأنه انتشر بحد السيف والقتل . التاريخ ليس ملكا لمؤلف أو منتج أو فنانين مع الاحترام للجميع، فالتوقيت عامل مهم وعنصر حساس لطبيعة المرحلة وهجمات الإساءة، ولا يصح ولا يفيد اختزال الإسلام والفتوحات العظيمة في مشاهد دامية رأيناها في الأفلام والمسلسلات التاريخية ألف مرة وحفظناها، وتاريخنا درسناه ويدرسه جيل بعد آخر دون توازن، حتى نشأت الأجيال على أن الآخرين من غير المسلمين هم كفار يجب قتالهم، بينما ملايين المسلمين يعيشون في أرض الله الواسعة من بلاد العالم ويتعلمون فيها، كما نعيش على ما تنتجه حضارتهم من علوم وتقنيات حديثة، بينما يرون صورتهم في خطاب أمتنا وأفلامنا التاريخية وهو ما يسيء إلى تاريخ الفتوحات العظيمة ولحاضر الأمة . إن تاريخنا الإسلامي تاريخ عظيم ومضيء وليس فيه ما نخجل منه، وإنما انطلق بدين الحق والرحمة وانتشرت نهضتها بالقيم والأخلاق والعلم، وإنما تقديمه اليوم بهذا الشكل من مناظر الدماء، لن يترك إلا انطباعات نمطية خاطئة عبر الفضاء عن الإسلام والمسلمين، وتكرس صورة مغلوطة موجودة أساسا في أذهان المجتمعات غير المسلمة بفعل ما حدث من جرائم جماعات الإرهاب ومغالطات الحاقدين، فألصقوا التهم جزافا بديننا وبأمتنا وبكل من هو مسلم . المشكلة يا فضائياتنا المسرفة، تكمن في النظرة القصيرة أو قصر النظر تجاه تحديات المرحلة، وفي اجترار أفلام تاريخية عمرها عشرات السنين من زمن المحطات المحلية التي كنا نرى فيها صورتنا ونسمع صوتنا فقط ولا تصل إلى الخارج ..وإذاعة تلك الأفلام في رمضان باعتباره شهر الفتوحات وشهر الانتصارات لا يأتي بالنتيجة المرجوة إلا إذا كنتم تعتبرونها أفلام مناسبات ..ولكن هل يكفي أن نقدم تلك الأعمال الفنية التاريخية وما فيها من حروب وقتل وأشلاء بينما يلتقطها مروجو الفتنة في العالم ليقولوا هؤلاء هم المسلمين والعرب وهذا دينهم وتاريخهم وهذه هي ثقافتهم . إن مشهدا واحدا من تلك المشاهد مترجمة أو غير مترجمة، لا تمحوه تفاصيل تلك الأفلام من شرح نور الإيمان وكيف تستقيم به الحياة وترتقي الأمم، ومكانة الفضيلة في الإسلام ..وما قول المسئولين عن تلك الفضائيات في أن السواد الأعظم من مجتمعات كبارا وصغارا يشيحون وجوههم ولا تتحمل أعصابهم رؤية مشاهد ولقطات تمثيلية فيها أجساد تمزق وأعضاء تتطاير ودماء تتدفق بالطعنات، بينما تروق لهم أفلام الخيال الغربية وحتى أفلام الرعب، وهذا هو واقع المشاهد العربي وطبيعته التي تشكلها وتصوغها ثقافة الغرب وفنونه، وقدرتها على غزو العقول مباشرة بشكل منظم ونستقبلها بملء إرادتنا بعد أن أزال عصر الفضاء والثورة المعلوماتية كل الحواجز وأضعف الحماية حتى اختزلها في الريموت كنترول، وأصببحت ثقافات وفكر العالم وفنونه بين أصابعنا . في رأيي أن توقيت تلك الأفلام التاريخية المشبعة بمناظر الدماء، هو توقيت خاطئ يعكس عدم فهم لطبيعة المرحلة التي يجب أن نقدم فيها الإسلام وأنفسنا بصورة أخرى، ويظل التاريخ ماضي فيه الدروس والعبر، وعلى الدراما العربية أن تقدمه بشكل وفكر يقنع . فهل عجزت أمتنا عن تقديم تاريخها من زوايا أخرى ..أم عقمت عن تجديد فكرها وإبداعها وتوقفت عند التاريخ بأعمال قديمة تخرجها من جعبتها في المناسبات الدينية، وتأتي بنتائج عكسية تشوه التاريخ بيدنا لا بيد جورج وكوهين ولويس، ثم نعود ونشكو حملات الإساءة والكراهية .أيها السادة قدموا التاريخ بشكل صحيح يغير عقلية الآخر ليحترمنا في الحاضر . ٭ نقطة نظام : تقول الحكمة " قل لي كيف تفكر، أقول لك من أنت " . sh 98 khalid@gmail .com