الذين ارتبطوا بالمكتبة والكتاب لابد وأن يشدهم الحنين إليهما، فالكتاب يظل النبع الأكثر عمقا وحميمية لمن ارتبط به، خاصة قبل أن تغزو الوسائل الحديثة للمعرفة عالم اليوم، وعلى سبيل المثال الإنترنت الذي ارتبطت بهم أجيال اليوم لا يمكن أن يغني عن الكتاب إذا أراد الإنسان أن يبحر بعمق في الثقافة والفكر، كما أن الإنترنت لا يصلح أن يكون مصدرا دقيقا ولا كافيا لأي دراسات، لأنه حتما سيحيل القارئ أو الدارس في النهاية إلى الكتاب والمراجع في أي تخصص، وقد أفادني ابني بهذه المعلومة خلال دراسته . وأنا متواجد حاليا بمصر قررت أن يكون للمكتبة نصيب من الوقت فيها فتوجهت مع بعض أفراد أسرتي للإسكندرية لنقضي بها أياما، وقد زرتها من قبل مرات لأتعرف على معالم ساحل المتوسط القريب من ساحل البحر الأحمر، وهذا ارتباط جغرافي وثقافي متجانس في الحضارة العربية، التي تجمعنا عن أبناء الأمة مشرقها ومغربها شمالها وجنوبها .وعلىساحل المتوسط تبهرك مكتبة الإسكندرية بإطلالتها الرائعة وتصميمها المعماري الذي يعانق البحر والشمس، وتعكس من خلالهما ضياء المعرفة عبر التاريخ وتواصل الحضارات، وقد أمضيت أوقانا ثمينة في رحابها وتجولت في أقسامها التي تجعلك في قلب المعرفة وتأخذك إلى أفاق الغد في العلوم كما تحيطك بعبق التاريخ . ومن عروس البحر الأحمر جدة إلى عروس المتوسط الإسكندرية تتجلى ملامح جميلة للحياة وقواسم مشتركة ومهما اختلفت معالم المكان وجماليات الكورنيش في المدينتين، إلا أن هوية المكان تشدك إليهما بألفة .وتحب أن تعيش لحظاتك الجميلة معه، وهذا ما أحرص عليه في عروسنا العزيزة جدة، وهكذا قضيت أياماً في الإسكندرية، أقرأ فيها المكان والوجوه وأسلوب الحياة وكيف هي علاقة الإنسان بالبحر، وعل ضوئها تتشكل أنماط وأسلوب الحياة لأبناء الساحل أينما كان . وساحل الإسكندرية طويل يمتد من الشرق إلى الغرب على امتداد الساحل، ويضم أكثر من كورنيش، وكل منها له معالمه وتفاصيله وطبيعة مرتديه، ويضم مرافقه وخدماته، وهذا التنوع المتاح للجميع، يتقاسمه أهل الإسكندرية وكذا زوارها المصطافون الذين يبلغ عددهم ملايين سنوياً ..فهذا شاطئ المعمورة وشاطئ العجمي برماله البيضاء وميامي والمنتزه وجليم والشاطبي وأبوقير وكامب شيزار وغيرها من الشوطئ الكثيرة التي اشتهر بعضها بجذب الأغنياء والمشاهير كشاطئهم المفضل، والبعض الآخر يغلب عليه الروح الشعبية بزحامه الذي يرى فيه كثيرون وجه الحياة الحقيقي حيث لا تحلو إلا بالناس . ومن الصعب أن ترتبط بشاطئ واحد خاصة الزائر، عكس أهل الإسكندرية الذين لديهم أفضليات في الارتباط بشواطئ بعينها .وهناك من يحب الزحام والحركة ويجد فيها متعة الوقت ولا يستمتعون إلا بهذا الزحام الذين يرون فيه حياة طاردة للملل . على عكس شرائح أخرى يفضلون الشواطئ الهادئة فيرون في الزحام صخب يحرمهم من متعة البحر والراحة والاسترخاء في شاليهاتهم ذات الإطلالة المباشرة التي تعانق مياه البحر ومعظم مرتادي الشاطئ يستخدمون الشماسي وكأنها غابة ملونة تمنح المكان جملا على جمال . وأنت في الإسكندرية يستحيل أن تقضي الأوقات داخل مسكنك وكأن البحر يناديك كل وقت، ولذلك حرصت على جولات بحرية عديدة باللانش وقد اصطحبني أخوان كريمان من أهل الإسكندرية هما خالد عبد الحفيظ السيد وسالم أحمد مصطفى، وقدما برنامجا بحريا جميلاً امتد إلى مناطق الصيد فكانت رحلة جميلة حقاً برفقتهما وخبراتهما وطيب أخلاقهما . والرحلة في الإسكندرية لا تكتمل إلاً بزيارة قلاعها التاريخية وقصورها التي اشتهرت بها ومنها قصر المنتزه وكان مقر الملك فاروق ولا يزال مقراً رسمياً في الإسكندرية، وحديقة المنتزه بأشجارها ونباتاتها النادرة . وهكذا هو السفر حصيلة فوائد من ثقافات وترويح ومعارف وتجديد لروتين الحياة في رحلة جديدة تتشكل فيها بتفاصيها اليومية قد لا يكون فيها متسع على مدى شهور طويلة لالتقاط الأنفاس . حكمة : الجمال الحقيقي ليس الجمال بأثواب تزيننا، إن الجمال جمال العلم والأدب . للتواصل 02 6930973