التغيرات التكنولوجية تسببت في إعادة هيكلة الأداء القيمي للإنسان؛ إذ تراجعت أخلاقياته، وتأثر على مستوى سلوكه وقيمه بتغير خبراته وحداثتها . ورغم التوقع بأن تحول العالم إلى قرية صغيرة - فيما يسمى ب " الانكماش المكاني "-سيؤدي إلى تقارب الثقافات، والوصول إلى فهم مشترك عن العالم، إلا أن ما حدث يؤكد التطبيع الأخلاقي مع قيم العولمة اللاأخلاقية، وتراجع وعي الإنسان بضرورة تنمية ذاته، بعد أن انصب كل اهتمامه في كيفية تسخير العالم لخدمته، وأغفل السؤال : ماذا فعل التطور التكنولوجي بإنسانية الإنسان؟ . ولم يكن الانفجار المعلوماتي فاتحة خير على الإنسان، ربما تمدن شكلا واستهلاكا، ولكنه تراجع خلقا وإنسانية، وتجسد سوء استغلال التكنولوجيا في وسيلة " الإنترنت " ، إذ تصور البعض أنه لا حاجة للأخلاق في العالم الإلكتروني، لأنه مجرد فضاء رقمي .ولكن هيهات ..فحاجة الإنسان إلى التحلي بحسن الخلق تتصل بكل حواسه وأفعاله وخبراته . وينبغي أن نتذكر دائما أن الإنترنت هي وسيلة للاتصال، إذ يمُكنك عن طريقها إرسال الرسائل ومحاورة الآخرين وعرض أفكارك وآرائك والاطلاع على أفكار الآخرين وآرائهم، فهي وسيلة للتفاعل والتعامل بين الأشخاص والمؤسسات والهيئات المختلفة . وعند استخدام أي وسيلة اتصال، ينبغي الالتزام بمجموعة من الأخلاق والآداب العامة .ومن هذا المنطلق، جاء مفهوم آداب الإنترنت . لا بد أن نحاول فهم أبعاد وتأثيرات هذه الأداة التي أصبحت متاحة جدا أمامنا، وأصبح الكثيرون يستخدمونها، وأصبحت هي الملاذ الوحيد للبعض فصار لزامًا أن نتعلم " أخلاقيات وفقه الإنترنت " بالمعنى الواسع للمعرفة، وليس من الناحية الشرعية فحسب، ويبدو أن الشات ( غرف الدردشة الإلكترونية ) ستظل عنصرًا مغريًا وجذاب ًا، وأنها تلتهم وقتًا هائلاً دون عائد يوازي هذا الوقت الذي ينفقه الإنسان فيها ما لم يكن محدد الهدف، ومؤقت المدى . إن غياب المعرفة أو الثقافة الواسعة يجعل من الدردشة التي تجري في معظم الغرف الإلكترونية العربية عبارة عن لغو فارغ أو معاكسات، أو شتائم متبادلة، ولا يكون تبادل الحديث نافعًا إلا إذا كانت لدى أطرافه من المعرفة أقدار كافية بحيث يكون النقاش مفيدًا . وأعتقد أن بيننا وبين هذا شوطا كبيرا؛ لأن أغلبنا لم يتزود بالثقافة أو المعرفة، فليست تلك الأمور متاحة في مناهج التعليم النظامي، وليست هي المادة المتوافرة في أغلب برامج الإعلام، ولم تعد القراءة ñ للأسف الشديد في هذا العصر بالذات - مصدرًا معتبر ًا لدى كثير من شبابنا في الحصول على المعلومات، وتداول الأفكار . ومن المقلق حقا وجود بعض المواقع التي تحتوي على أفكار مسمومة تشكك في العقيدة، أو تغالط في التاريخ، وأشفق على من تتاح أمامه هذه المواد دون أن تكون لديه أدنى خلفية عن تلك القضايا !! فكيف إذن نتفاعل مع هذه المتغيرات؟ وكيف نتعامل مع هذه التحديات؟