من يقرأ الخطاب الذي ألقاه الرئيس بوش في الكنيست الإسرائيلي عشية الاحتفال بمرور " " 60 سنة على قيام اسرائيل، يعتقد أن للرجل حاجة عندهم تدفعه للتملق واستجداء الرضا، ولو كان هذا الخطاب ألقي على مسامعهم قبل انتخابات ترؤسه لفهمنا سبب المحاباة التي تضرب بعرض الحائط كل مفهوم لحقوق الإنسان، حتى إنها - أي تلك المحاباة - تنفي أية مصداقية مفترضة من الجانب الأمريكي كمحرك رئيسي لعملية السلام في الشرق الأوسط، لكن في ظل ان هذا الرئيس يودع البيت الأبيض وليس مقبلا عليه يظل التساؤل قائماً : لماذا وبأي دافع يتملق الرئيس بوش لأصحاب القرار في الدولة اليهودية؟ في معرض تملقه أمام المجلس ورئيسه يقول بوش إن امريكا تفخر بأنها اعلنت اعترافها بقيام الدولة اليهودية بعد احدى عشرة دقيقة فقط من اعلان التأسيس على لسان بن غوريون قبل ستين عاماً، وكانت في ذلك الأولى بين دول العالم . كما يقول إن اسرائيل استطاعت رغم النضال لأجل وجودها لستة عقود أن تؤسس للديموقراطية في الشرق الأوسط على مبادئ الحرية والعدالة واحترام كرامة الإنسان، حتى الاسرائيليون أنفسهم يعلمون أن هذا مديح مضخّم جداً، فعلى من هذا التمثيل الكوميدي؟ وفي تجاهل تام لأي رد فعل دولي قد تثيره كلماته، ينسف الرئيس الامريكي بوش بكل عنجهية أي احترام لقرارات مجلس الأممالمتحدة، قائلاً إن الأسس المتينة للديمقراطية الاسرائيلية تجعل من المؤسف أن أكثر قرارات الهيئة الدولية المدينة لخرق ميثاق حقوق الإنسان قد صدرت ضد اسرائيل، بالطبع قوبل هذا النص بتصفيق حار من قبل المجلس المستمع، لكن يظهر أن الملقي لم يعلم أن فيما قال مفارقة كبيرة واضحة لأي غير منحاز، إذ إن مبادئ الديمقراطية التي يتغنى بها للاسرائيليين تعني احترام ما تجتمع عليه الأغلبية، وقرارات الأممالمتحدة لا تصدر إلا بأغلبية الامم عليها، فكيف ينفي هو ما تجتمع عليه الأمم باسم احترام ديمقراطية اسرائيل المزعومة . وعلى ما يبدو فقد نسي الرئيس الأمريكي ان الاعلام كفيل بنقل خطابه الى ابناء شعبه، اولئك الذين انتخبوه رئيساً، فقد بلغ فيه حد التملق للكنيست ان يقلل من شأن الاصوات الشعبية في بلاده وفي العالم اجمع فيما يخص الدعم الامريكي لاسرائيل، اذ يقول لحلفائه اليهود ان هذا التحالف مبني على قواعد مشتركة راسخة في الاخلاق ولن تثنيها اية استطلاعات اراء وتباينات في وجهات النظر العالمية، غير أن الصمت الشعبي الامريكي - كما هو معروف - لن يجعل من هذه الإهانة موضع مساءلة للرئيس المودع، فأكبر من هذا حدث في عهده وكان موجبا للمساءلة، لكنهم حيال الأمر اليهودي يصمتون صمت الحملان، وكأن اسرائيل هي العاصمة السياسية البعيدة التي تدير شؤونهم الداخلية، ولها بذلك عليهم حق الصمت . بخطابه هذا اسدى بوش معروفا سيؤتي أكله مستقبلاً لاسرائيل، إذ إنه رفع من مستوى الولاء المطلوب من الرئيس الامريكي القادم، أياً كان، فكما ان المرشحين في الانتخابات الامريكية كلهم قد اعلنوا الولاء والطاعة للكيان الصهيوني، فإن هذا الخطاب الموالي رفع من مستوى الخدمة المطلوبة من الدولة العظمى لدعم بقاء واعمار اسرائيل على مدى سنين قادمة . كان على بوش ، المنكوب الذي رفع رأية الحرب على الارهاب والذي لم يتوقف عن الحديث بغبطة وسعادة عن انه اول رئيس امريكي يعترف للشعب الفلسطيني بحق اقامة دولتهم المستقلة ، ان يدرك ان موقعه كرئيس لأكبر واهم دولة في العالم لها كل هذا الجهد البشري، وكل هذه المصالح الحيوية في هذه المنطقة يملي عليه ان يتصرف باتزان اكثر وأن لا يمارس السياسة على اساس الخرافات والاساطير التاريخية المستفزة وإنما على اساس هذه المصالح وانطلاقا من ان الدولة العظمى يجب أن تتصرف بوقار وبجدية في هذا الشرق الأوسط الذي تتفجر فيه الغام كثيرة والذي ينام فوق الغام موقوتة أكثر . أليس مضحكا ومزريا أن يقول بوش هذا ما قاله في الكنيست الاسرائيلي وامام كاميرات كل فضائيات العالم وهو يتأرجح طربا، ان الولاياتالمتحدة واسرائيل بنيتا على القيم ذاتها ليذكر كل سكان الكرة الارضية بأن هذه القيم لم تكن نبيلة وان دولته قامت على اشلاء سكان امريكا الاصليين " الهنود الحمر " ، في حين ان الاسرائيليين شيدوا هذه الدولة بدماء الفلسطينيين ، أهل البلاد الاصليين وبمآسيهم وويلاتهم . أي قيم هذه التي تحدث عنها؟ !!هل هي ما فعلته عصابات تشيرن والهاغانا، الارهابية في اللد ويافا وفي دير ياسين ، وهي جدار الفصل العنصري الذي حوّل اسرائيل الى " غيتو كبير " ، هل هي هذه المآسي التي يواجهها الأطفال الفلسطينيون على نقاط التفتيش يوميا، ما هي هذه القيم يا بوش؟ يا رئيس الدولة التي تعتبر نفسها ويعتبرها الآخرون جنة الله على الأرض؟ كنا نتمنى لو أن بوش هذا اعطى في زيارته الاخيرة لاسرائيل ضمانة للتسوية عند انجازها وليس للحرب عند وقوعها بأن يكون الشعب الامريكي الى جانب الإسرائيليين والفلسطينيين حتى تتكلل جهود السلام بالنجاح .