قبل أيام وأنا في طريقي مع عائلتي الى احد المطاعم بشمال جدة، شاهدنا مشهداً هوليودياً سينمائياً على الطريق وبالمجان، كان ذلك قبل ميدان الطائرة الشهير، عندما لمحنا اثنين من الشبان يعدوان في خفة ليس يجاريهما فيها غزلان ووعول الغابات الاستوائية، حتى إذا ما اقتربت منها دراجة نارية - دباب - كان يسير بسرعة متوسطة، الى ان تقافز الاثنان في مهارة نادرة على ظهره ليصيروا ثلاثة، ثم تحول الدباب الى ما يشبه السهم الخاطف رغم انه كان يسير معاكساً للاتجاه، الى ان ذاب وسط الزحام الليلي لذلك الشارع المكتظ بالسيارات ..بينما خرج من محل كفتيريا قريبة حشد من الشباب حاولوا مطاردة الفارين دون جدوى، في سباق وملاحقات ومشهد واقعي اكثر براعة من اجمل مشهد سينمائي بوليسي، وكل ذلك حدث في ثوان قليلة ولحظات خاطفة، ورصد الموقف جمع من الناس الذين تصادف مرورهم بالشارع . أحد الشابين كان يحمل هاتفاً " جوال " رأينا بريق وميضه واضحاً، في اشارة فرضية الى ان صاحبه كان يتحدث من خلاله، الذي داهمه اللص المحترف، فاقتلعه من يده اقتلاعاً، وربما أحدث جرحاً في صفحة وجهه، بمخالبه التي انتزعت الجوال، من مالكه، الذي ربما ظل لثوان قليلة مذهولاً قبل ان يصحو من الفاجعة، ليطلق لساقيه الريح، وراء اللص الذي فرّ كعفريت انطلق من قمقمه، وفي اسلوب مهاري يؤكد انه غادر به حالة الهواة الى المحترفين بمراحل، وبالتالي صار " معلماً " كبيراً في " الشغلة " وبقدر ما كان المشهد درامياً في بدايته، تحول الى كوميديا في جزئه الثاني عندما رأينا الشاب المفجوع بفقدان جواله يركض، وقد كان من البدناء جداً، ممن لا يمكن له ان يلحق باللص حتى ولو لم يكن يمتطي الدباب، الذي تحول منذ سنوات في جدة وبشكل واضح الى الإدارة الرئيسية لتنفيذ هذا النوع من السرقات جهاراً نهاراً، وحتى ليلاً والناس ما زالوا يعمرون الامكنة حركة وصخباً . أنا في الواقع اتحدى اي مخرج هوليودي ان ينفذ مثل هذا المشهد الذي رأيناه، وبذات الحرفنة، والمبالغة في المليودراما، ما لم يدوخ السبع دوخات على اجراء بروفات عليه لعدة اسابيع ..ثم بعد ذلك قد ينجح، وقد لا ينجح الاّ تحت غطاء الخداع السينمائي والمؤثرات الصوتية، التي كثيراً ما تداري عجز بعض المخرجين في تنفيذ حبكة اللقطة كاملة، وببراعة فائقة تؤكد على عبقرية المخرج، ومهارة الممثلين، وحضورهم النفسي واللياقي ..و يظل السؤال الذي يفرض نفسه هنا ..اين تعلم ذلك اللص وامثاله كثير في جدة مثل تلك المهارة، ومتى، وكيف ظل يسرح ويمرح وهو يتلذذ بتنفيذها هنا وهناك، وكأن لا رقيب ولا حسيب عليه؟ !! اللافت انني وبعد ان وصلت الى وجهتي المقصودة، ظللت لدقائق لوحدي بجانب سيارتي مصدوماً ومذعوراً مما رأيت، حتى اذا وقف الى جانبي احدهم، فرحت بعد السلام والكلام اقص عليه الحكاية، الى ان رد علي بابتسامة باهتة، وقال لي : يا عمي تعال عندنا في حارة ال " ...." وترى العجائب ..وبدأت يقص اكثر من حكاية، منها خطف حقائب سيدات، يتم انتزاعها من المرأة العابرة للطريق بشكل عنيف ربما يؤدي الى ايذائها جسدياً، وتلك العجوز التي كانت تحمل ورقة المستشفى وفوقها قيمة الكشف الطبي، ليأتي من يخطف الورقة مع الفلوس في لمح البصر، الى اخر حكايات غريبة وغاية في العجب والذهول !! ولعلي بالمناسبة اتذكر حكاية حدثت لي ولزميلي من صحيفة الرياض الاستاذ علي الفارسي، عندما كنا في دبي قبل اسابيع، فقد كان السائق المسؤول عن مهمة تنقلاتنا ينتظرنا في بهو الفندق، حتى اذا ما تجمعنا، وخرجنا الى السيارة، وجدناها في حالة التشغيل، ومن فرط ذهولي رحت في عفوية محضة اعاتب السائق، لماذا ترك السيارة امام الفندق شغالة، وقلت له في لهجة ربما كانت حادة الا تخاف ان تسرق؟ !!اتدرون ماذا قال لقد رد علي بابتسامة هادئة، وعبارات واثقة، السيارات هنا لا تسرق !! انا شخصياً لم اهضم جوابه، وما زلت حتى اللحظة بين مصدق ومكذب لما قرره ذلك السائق من حقيقة ..لكنني لم امنع نفسي من ان اسألها لماذا السيارات في دبي لا تسرق، او على الاقل بذات الكثافة التي تحدث هنا عندنا؟ ..الاجابة عندي قد لا تكون مهمة كثيرا، واترك لكل قارئ لهذه السطور ان يضع من عنده فرضية معينة كجواب محتمل؟ !! bakeet 8@hotmail .com