بعد سنوات من الجهود المُحرجة، بدأ الإصلاح في المملكة العربية السعودية يُركّز على قضايا المرأة. فقد كشفت دراسة اجراها "مركز باحثات لدراسات المرأة" لصحف ومواقع الإنترنت المحلية، في الفترة من منتصف كانون الثاني/يناير إلى منتصف شباط/فبراير 2010، ان حوالي 40 في المئة من المقالات في وسائل الإعلام المطبوعة و58 في المئة من المقالات على مواقع الإنترنت تتمحور حول قضايا المرأة، وأن تمكين النساء بات يُشكّل أولوية لدى الناشطين المحليين. يضاف الى ذلك بروز مبادرات عدة لضمان حقوقهن الأساسية، وأحدث هذه الجهود وأكثرها طموحا كانت حملة وطنية بقيادة نشطاء سعوديين بهدف المطالبة بمشاركة المرأة في الدورة المقبلة من الانتخابات البلدية المقررة في خريف العام 2011. رأس الحربة في هذه الحملة الوطنية، التي انطلقت في شهر مارس/آذار العام 2010 للمطالبة بمشاركة المرأة في الانتخابات، كانوا الناشطين في مجال حقوق الإنسان والأعضاء المنتخبين في المجالس البلدية الى جانب كتاّب ومثقفين بارزين. والهدف كان تنسيق الفعاليات في جميع أنحاء المملكة، وتغطيتها إعلاميا، وعقد الاجتماعات والقاء الخطب العامة ورفع العرائض إلى المسؤولين، وتدريب المرشحات وتأهيلهن. لكن حتى الآن، لم تبت وزارة الشؤون البلدية والقروية في مسألة السماح للنساء بالتصويت أو التسجيل كمرشحات. والحال أن التوجهات الليبرالية نسبيا الذي اتخذها الملك عبدالله بن عبدالعزيز من أجل تعزيز دور المرأة في المجتمع السعودي مهّدت الطريق أمام إطلاق مروحة من المبادرات. ففي 14 شباط/فبراير 2009، قام الملك عبدالله بتعيين إمرأة هي نورة الفايز في أعلى موقع إداري عام في الدولة تتبوأه امرأة حتى الآن، وهو منصب نائب وزير التربية والتعليم. وبعدها ببضعة أشهر تم إعفاء عضو من المجلس الديني الأعلى من منصبه إثر اعتراضه على البيئة المختلطة في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية التي أُنشئت حديثا وفق أعلى المعايير العالمية. وفي كانون الأول/ديسمبر الماضي، فازت الدكتورة لمى السليمان في انتخابات غرفة التجارة والصناعة في جدة وأصبحت أول امرأة تتبوأ منصب نائب رئيس أهم مؤسسة تجارية مدنية في المملكة. وأعقب ذلك قيام وزارة التجارة بتعيين أربع سيدات كأعضاء في إدارة مجالس فروع الغرف التجارية الصناعية في المملكة وهن فاتن بندقجي، وعائشة نتو في جدة، وهناء الزهير وسميرة الصويغ في المنطقة الشرقية. وعلى الرغم من القيود الاجتماعية والدينية المفروضة على المرأة السعودية، حققت سيدات الأعمال السعوديات إنجازات كبيرة خلال السنوات القليلة الماضية على طريق كسر الكثير من العوائق وكسب المزيد من التشريعات التي تمكنهن من العمل في بيئة تنافسية أقل تقييدا. في العام 2008، على سبيل المثال، عدّل الأمير خالد الفيصل، أمير منطقة مكةالمكرمة، المادة 160 من قانون العمل الذي يمنع الرجال والنساء من الاختلاط في مجال العمل، كما أعادت وزارة العمل النظر في قوانينها لمنح المرأة حق خيار العمل، بدلا من الالتزام بموافقة ولي امرها لتحصل على وظيفة أو تستقيل منها. وفي العام نفسه، ألغت وزارة التجارة الحظر الذي يمنع النساء من الإقامة وحدهن في الفنادق. ويتوقع أن يُسن قانون جديد يمنح المرأة حق السفر إلى الخارج من دون أخذ موافقة ولي الأمر، ويمكنها أيضا من استخدام بطاقة الهوية الوطنية للسفر إلى دول مجلس التعاون الخليجي. من بين العديد من المبادرات الفردية المتعلقة بمجال حقوق المرأة، كانت حملة تقودها سيدة الأعمال خلود الفهد من مدينة الخبر تحت عنوان "أين حقوقي" وتهدف إلى تثقيف النساء حول حقوقهن الأساسية والمساواة بين الجنسين، عن طريق إصدار مطبوعات وموقع إلكتروني، وتقديم تغطيات إعلامية متواصلة. وقد لاحقت المحامية سعاد الشمري- أول محامية في المملكة- كثيرا من القضايا التي تتعلق بانتهاكات حقوق المرأة مثل حق الطلاق والحماية وحضانة الطفل والدعم والتعويض عن الأذى الذي يلحق بالنساء. وحاليا، تدفع الشمري بالتعاون مع محامين آخرين إلى وضع تشريع جديد يحدد السن القانونية للزواج لتجنب حالات الزواج القسري للفتيات اليافعات. وتشمل مبادرات أخرى إنشاء مراكز لحماية ضحايا العنف الأسري بالإضافة إلى حملات حول حق الطلاق، وقوانين الأسرة، وحقوق النساء المتزوجات من غير السعوديين. وفي الوقت الراهن، معظم المبادرات المتعلقة بحقوق المرأة يقودها أفراد أو جماعات غير مسجلة رسميا بسبب القيود الصارمة على تسجيل مؤسسات المجتمع المدني في المملكة. لقد أسفر الوعي المتزايد للنساء ونشاطهن الحيوي، اللذان تعززا جزئياً بمتابعتهن للانخراط الأوسع للنساء في الحياة العامة في الدول المجاورة مثل البحرين والكويت، هذا علاوة على الاهتمام الذي أبدته شخصيات دولية على غرار ياكين إرتورك، مقررة لجنة الأممالمتحدة لحقوق الإنسان الخاصة بالعنف ضد المرأة، أسفر كل ذلك عن إثارة سجالات ساخنة بين غلاة القادة الدينيين المتشددين وبين النخبة المثقفة الليبرالية التي باتت تجهر بآرائها بشكل مطرد. ومن القضايا التي يثور النقاش حولها: الاختلاط بين الجنسين في المدارس والكليات، ورياضة المرأة ومشاركتها في انتخابات الغرف التجارية والمجالس البلدية، وقيادة المرأة للسيارات، ووصاية ولي الأمر، والعنف الأسري، وتحديد سن الزواج وقوانين الإرث. ويتعين القول هنا ان القادة الدينيين المحاطين لا زالوا يتمتعون بنفوذ كبير في السعودية، وكانوا قادرين على إبطاء المبادرات الليبرالية التي تضعها الحكومة لتوسيع دور المرأة في الحكومة والسماح لها بدخول قطاعات جديدة من الحياة العامة. لكن، وفي حين أن النساء لا يزال أمامهن طريق طويل لنيل كامل حقوقهن في السعودية، إلا أنه يمكن تحقيق اصلاح تدريجي ومستدام، ما دام الملك يواصل دعم التغيير المعتدل واستمرار فعاليات نشطاء حقوق المرأة.