يحرص كثير من الحجاج والمعتمرين على زيارة مسجد قباء في المدينةالمنورة، والصلاة فيه والتعرف على معالمه وموقعه، ويعود هذا الحرص للمكانة الكبيرة التي يحتلها هذا المسجد في التاريخ الإسلامي وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، فهذا المسجد هو أول مسجد بناه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بعد هجرته من مكة إلى المدينةالمنورة؛ وتزداد عظمته ومكانته حين نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم شارك بنفسه في عملية بنائه وتشييده. ويقع مسجد قباء في النَّاحية الجنوبيّة الغربيّة للمدينة المنورة، ويبعد عن مركز المسجد النَّبويّ حوالي أربعة كيلومتراتٍ. هجرة ومسجد ورد عن ابن القيم في سفره المهم "زاد المعاد" (3/58)، وهو يتحدث عن دخول الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أن قال: "وكبَّر المسلمون فرحا بقدومه وخرجوا للقائه(… ) فسار حتى نزل بقباء في بني عمرو بن عوف، فأقام فيهم أربع عشرة ليلة، وأسس مسجد قباء، وهو أول مسجد أسس بعد النبوة". وعن سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم يروى أيضا أنه "نزل – صلى الله عليه وسلم – بقريةٍ لبني عمرو بن عوف هي قِباء، وسميت قباء على اسم بئرٍ في تلك المنطقة؛ وعندما نزل الرَّسول الكريم قِباء جلس صامتاً لا يتكلَّم؛ فأخذ الأنصار بالتَّوافد للسَّلام على رسول الله، وبدؤوا يحيّون أبا بكرٍ ظنًاً منهم أنَّه الرَّسول صلى الله عليه وسلم لظهور الشَّيب في شعره، حتّى وصلت الشَّمس إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم؛ فقام إليه أبو بكرٍ يظلله بردائه، حينها عرف الأنصار من منهما رسول الله". كما تروي سيرة المسجد العظيم أن "رسول الله نزل بقِباء على كلثوم بن الهدم، وقيل: على سعد بن خثيمة، ومكث فيها مدّة أربعة أيامٍ، عمل فيها على تأسيس مسجدٍ سُمي قِباء تيمناً باسم المكان، وصلَّى فيه الرَّسول صلى الله عليه وسلم أوّل صلاةٍ فيه، وقد شارك الرَّسول الكريم أصحابه في البناء والحفر ونقل الحِجارة وهذا دليلٌ على تواضع الرَّسول وأنَّه قائدٌ عظيمٌ؛ فالقائد من يشارك ويعاون ويساعد من معهم ولا يكتفي بإصدار الأوامر والتَّعليمات". مسجد قباء عبر العصور وجد مسجد قباء اهتماما كبيرا من المسلمين عبر عصورهم وأزمانهم المختلفة، حيث نجد أن الخليفة عمر بن الخطاب قد قام بتوسعته في عهده، كما نفذ الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه، عملية تجديده، كما جدده عمر بن عبد العزيز، واستمر الخلفاء من بهد ذلك على توسيعه وتجديد بنائه، حتى كانت التوسعة الأخيرة في عام 1406 ه. وتبلغ مساحة المصلى وحده 5035 متراً مربعاً ، والمساحة التي يشغلها مبنى المسجد مع مرافق الخدمة التابعة له تبلغ 13500 متر مربع. وفي عصر المملكة الحالي شهد مسجد قباء آخر توسعة قبل نحو ربع قرن، وأضيف له فناء داخلي ظُلل بنظام ميكانيكي يُفتح ويُقفل كهربائياً، وبلغت تكاليفُ توسعته نحو 90 مليون ريال وأصبح يستوعبُ الآن قرابة 20 ألف مصلٍّ. أحاديث في فضل مسجد قباء وردت أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم تبين فضل الصلاة في مسجد قباء نذكر منها: روى البخاري (1193) ومسلم (1399) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِي مَسْجِدَ قُبَاءٍ كُلَّ سَبْتٍ مَاشِيًا وَرَاكِبًا. وفي رواية لمسلم : ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِي مَسْجِدَ قُبَاءٍ رَاكِبًا وَمَاشِيًا فَيُصَلِّي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ) . وروى الترمذي (324) عن أُسَيْد بْن ظُهَيْرٍ الْأَنْصَارِيَّ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( الصَّلَاةُ فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ كَعُمْرَةٍ ) . صححه الألباني في صحيح الترمذي . وروى النسائي (699) عن سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ خَرَجَ حَتَّى يَأْتِيَ هَذَا الْمَسْجِدَ مَسْجِدَ قُبَاءَ فَصَلَّى فِيهِ كَانَ لَهُ عَدْلَ عُمْرَةٍ ) صححه الألباني في صحيح النسائي. قرآن ودعاء في أرجاء مسجد قباء وزواياه يكاد لا يُسمع سوى همس دعاء المصلين وقراءة القرآن، وآخرين يطلقون العنان لأبصارهم متأملين في عمارة المسجد وقبابه المنقوشة، والمحراب الذي جاء بهندسةٍ وعمارةٍ إسلامية مميّزتَين . ويظل الإرشاد التوجيهي قائماً ودليلاً للزائرين في مسجد قباء، فلا وجود لمعتقداتٍ خاطئة أمام شبابٍ يتولون مهمة الإرشاد والتوجيه من داخل مسجد قباء في المدينةالمنورة وفقا لتواصل.