- أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور خالد بن علي الغامدي، المصلين بتقوى الله وإصلاح العمل، وقال في مستهل خطبته: الدواوين عند الله في يوم القيامة ثلاثة، ديوان لا يغفره الله أبداً وهو الشرك، وديوان لا يعبأ الله به وهو ظلم العبد نفسه فيما بينه وبين ربه، وديوان لا يترك الله منه شيئاً أبداً وهو ما يكون بين العباد من حقوق وتظالم، فهذا الديوان لا يتركه الله حتى يقتصَّ للعباد من أنفسهم فيأخذ لكل ذي حق حقه، بل حتى البهائم لا يجعلها الله تراباً حتى يقتصَّ للشاة الجلحاء من الشاة القرناء، وهذا أمر جلل يخاف منه المسلم الصادق فيحرص على أن يتحلل في هذه الدنيا من حقوق العباد فيخرج منها وهو خفيف الظهر من حقوق الناس وأعراضهم. وأضاف، الواجب على المسلم أن يحرص على ألا يتحمل في ذمته شيئاً من أموال الناس وحقوقهم لأن حقوق العباد مبنية على المقاصة والمشاحة والمقاضاة، ولو نجا عبد من المحاسبة في الدنيا فلن ينجو من محاسبة الملك العدل في الآخرة، وسيقتص الله من كل ظالم ومفرط في حقوق الناس وسيُرفع لكل غادر لواءٌ يوم القيامة يقال هذه غدرة فلان بفلان. إن شأن الدين عند الله شأن عظيم فقد أنزل فيه سبحانه أطول آية في القرآن وهي آية الدين في أواخر سورة البقرة وثبت عن النبي (صلى الله عليه وسلم) "أنه كان كثيراً ما يتعوذ بالله من ضلع الدين وقهر الرجال ومن المأثم المغرم". ما شددت الشريعة في أمر الدين والاستدانة إلا لحفظ مصالح الناس وحفظ حقوقهم المبنية على حفظ الضرورات الخمس المشهورة ومنها حفظ المال، ثم حتى لا يصبح أفراد المجتمع مرتهنين لغيرهم قد غُلت أيديهم إلى أعناقهم بديونهم وفي ذلك ما لا يخفى من الآثار السلبية والمفاسد على الأفراد والمجتمعات، فقد يقع المستدين في الخوف وعدم الشعور بالأمن النفسي خاصة إذا لقي غريمه وحل وقت السداد، وهذا مصداق لقول النبي (صلى الله عليه وسلم) في المسند (لا تخيفوا أنفسكم بالدين). أيها المسلمون: إن الواجب على المسلم أن يتعفف عن أموال الناس وألا يفتح على نفسه باب الدين حتى ينجو من تبعاته وآثاره في الدنيا والآخرة، وأن يعود نفسه وأهل بيته على القناعة والصبر والرضا بما قسمه الله وقدره من الأرزاق ومتع الحياة، وما أعظم بركة الاقتصاد والتوسط والاعتدال في النفقة وأن يحذر المسلم من آفة التبذير والإسراف في إنفاق المال فيما لا طائل تحته مفاخرةً ومباهاة ومسايرةً للواقع ومستجداته فإن ذلك من أكثر أسباب التورط في الديون فشواً وشيوعاً ومع هذا كله؛ فإن الشريعة لم تمنع من الاستدانة والاستعانة بمال الغير مطلقاً ولكنها أرشدت إلى جملة من الوصايا النافعة وفي هذا الباب ينجو بها المسلم من آثار الدين السيئة وتبعاته الأليمة. الواجب على المسلم ألا يستدين إلا في أمر مباح وهو مضطر إليه ومحتاج إلى تصريف أحواله به، ويبتعد عن الاستدانة من أجل أمور لا يحتاج إليها من الكماليات والطرائف، أو فيما حرم الله من المعاصي؛ وعليه أن يعقد النية والعزم على أن يرد الدين إلى أهله لأن النية الجازمة لرد الدين وكونه في أمر مباح من أهم أسباب إعانة الله للمستدين. وأن من اضطر للاستدانة لحاجته مباحة بطريقة شرعية وعقد العزم على رد حقوق الناس فليبشر بالعون والتوفيق من الله، فالله معه حتى يقضي دينة؛ وعليه أن يكثر من الاستغفار وأن يلح على الله بالدعاء أن يعينه على قضاء الدين، وأن يلظ بالدعاء العظيم الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب كما في المسند حيث قال له: ألا أعلمك كلمات لو كان عليك مثل جبل صبير ديناً أداه الله عنك؟ قل: اللهم اكفني بحلالك عن حرامك وأغنني بفضلك عمن سواك)، وقد رغب الرسول صلى الله عليه وسلم المسلم إذا نزلت به ضائقة أو كرب أن ينزلها بالله فيتحملها الله عنه وهو الغني القادر فما أسرع أن تنكشف كربته ويأتيه الله بالفرج. أيها المسلمون: إن من محاسن الشريعة ما جاءت به من الآداب والأحكام لحفظ حقوق الناس وأموالهم، وكما أنها أوصت المستدين بوصايا نافعة ليبارك الله له وينتفع بدينه، فكذلك ندبت الشريعة وحثت من كان ذا مال وافر وكان مقتدراً ألا يمنع الناس من فضل لله الذي عنده إذا جاءه مكروب ذو حاجة للاستدانة؛ لأن تفريج كربات الناس وإدخال السرور عليه ونفعهم من أجل القربات عند الله، والله في عون العبد ما دام العبد في عون إخوانه؛ وهو من صور التكافل الاجتماعي والتعاون على البر والتقوى وعلى الدائن أن يحرص على أن يحسن نيته في إقراض المحتاجين ويقصد وجه الله لا رياء ولا سمعة. وليحذر الدائن أن يطلب زيادة على رأسمال الدين عند إقراضه للناس فإن ذلك هو ربا الجاهلية، وليحذر أيضاً من أجر أو منفعة تحصل له من المستدين بسبب الدين لأن ذلك يدخل في القاعدة المشهورة. (كل قرض جر نفعاً فهو رباً)، وقد كان كثير من السلف أذا أقرضوا رجلاً لا يقبلون منه أي شيء حتى الدعوة إلى الطعام حتى يرد إليهم ديونهم خشية أن يقعوا في النفع الذي جره القرض، وهذا من تمام ورعهم وخشيتهم، وقد قال ابن عباس: "إذا أسلفت رجلاً سلفاً فلا تقبل منه هدية كراع ولا عارية ركوب دابة" ونقل ابن المنذر إجماع العلماء على ذلك فما أحرانا أن نتأدب بآداب الشرع وتعاليمه ففيها والله الغناء والكفاية والهداية والصلاح.