جسد الفنانون السعوديون الطبيعة والحياة اليومية وارتباطها مع الذات من خلال أعمالهم المنتشرة في ردهات وأروقة معرض "سفر" المول والمقام ضمن فعاليات "21،39 فن جدة" والتي ينظمها المجلس الفني السعودي بهدف تعزيز تفاعل المجتمع مع المشهد الفني والثقافي في المملكة العربية السعودية. ونتابع معكم رحلتنا في محطتها الثانية لمعرض "سفر المول"، حيث شارك الفنان مهند شونو بعمل يحمل عنوان "الشمس الخامسة" يتمثل في عمل تركيبي من رسومات بتنقيط الحبر ولوحات مسقطة على سطح مستدير يرمز إلى الشمس، حيث يتحدث هذا العمل عن الكون الذي يتحرك في دوائر ضخمة، أناس تأتي بينما يذهب آخرون في إيقاع يتناوب بين الخلق والتدمير. ويبرز العمل الشمس الخامسة وهي شمس الحركة من خلال حركة الأرض والوقت الذي سوف يضحي فيه الإنسان بأخيه الإنسان أملاً في تجنّب الكارثة الوشيكة وفي إيقاف حركة الأرض، من خلال تجسيد تغيّر سمات سطح الأرض والترابط غير القابل للدحض بين البشر ومحيطهم التاريخي والجغرافي والثقافي. أما الفنان ماجد عنقاوي فيغوص في مفاهيم الذاكرة وفي ثبات المفاهيم من خلال عمل "بدون عنوان" حيث يسعى إلى تكرار تجربة القلق التي تتسبب بها الروايات الباطنية داخل العقل، في عمل هو كناية عن نفق مظلم يؤدي إلى غرفة سوداء ينغمر فيها الزائر بتسجيل متعدد الطبقات لصوت الفنان، فيصدر صوت حرف العلة (أ) من أحد مكبرات الصوت ليتبعه سريعاً صوت حرف علة آخر (ي) من مبكر الصوت الآخر، وتستمر الدورة حتى تبث كل حروف العلة بتزامن خلال دقيقة واحدة، وتتكرر في حلقة لا متناهية في ارتباط مع الذاكرة التي تستعرض ذكريات ناجمة عن التجارب العاطفية القوية التي يعيشها الإنسان مجسدة رحلة طويلة مع الذات تدفع كل شخص لمواجهة ذاته أولاً ثم مواجهة العالم الخارجي وذلك بعد عزل النفس عن العالم والقرب إلى الإنسانية وترك الهموم والمشكلات بعيداً كي يتمكن كل شخص من الإقتراب من جوهره الإنساني الذي يشترط إدراكه أولاً. يلي هذا عمل فني بعنوان "المتاهة والوقت" للفنانة زهرة الغامدي والتي تستخدم فيه عناصر طبيعية كالرمل والقطن والمياه لاستخدام أشكال هيكلية تعود بنا إلى السمات المعمارية للمنازل التقليدية في المملكة، ويشبه التركيب منطقة البلد التاريخية وسط جدة، حيث تعرض الخريطة الثلاثية الأبعاد عمودياً على جدار كبير ما يخلق مواجهة بصرية مباشرة مع المشاهد. يعكس العمل الصورة الجميلة للعمارة التقليدية التي تتميز بالأصالة والتنوّع، ويشجع على اعتبار السفر حدثاً زمنياً يتم خلاله شرح التطور والتغيير والمثابرة مع دقة تامة في التفاصيل والتنفيذ من خلال متاهة طوبوغرافية تشكلها البيوت المتلاصقة، والتي أصبحت تعاني من الإهمال وكأنما تعكس أشباحاً بما يحوي إلى الوضع المحزن لما هي عليه الآن. كما تشارك الفنانة مروة المقيط بفيديو "كنّا" والذي يصور امرأة وحيدة على طريق مهجور يحيط بها تدريجيا عدد كبير من الناس ثم تترك لوحدها من جديد، حيث يعرض الفيلم على شاشة خلفية يمكن مشاهدته من جانبين يعيش الزوار عبرها رحلة العبور ويشاركون في مشهد سينمائي مكشوف. ويجسد هذا العمل طبيعة الدورة العاطفية في سياق العلاقات الشخصية وطرق الاتصال، في محاول للاستقراء البصري للحظة ميلاد الروابط والطاقة الجماعية ووقتِيَّتِها ثم زوال تلك الظواهر، حيث يستشكف العمل بطريقة شاعرية عملية تشكيل العلاقات والذكريات وكيفية تراكمها في صورة طبقات والقدرة على تعريف مفهوم الرحيل أو الاختفاء عقب انتهاء العلاقة العاطفية، في استعراض لقوة الاتصال الإنساني وهشاشة العزلة بعرض حركة الأنماط من خلال إدراك الحركة الجسدية كوسيط للتعبير وشكل من أشكال الحوار. وتأتي هذه الأعمال ضمن سلسلة من الأعمال الفنية والمشاريع الإبداعية ل16 من الفنانين السعوديين الشباب والناشئة ضمن فعاليات النسخة الرابعة من "فن جدة 21،39" لنستكمل معكم في محطات لاحقة رحلة "سفر المول". وكان الفنانون المشاركون في المعرض قد استلهموا أفكارهم وأعمالهم من كلمة "سفر" كمصطلح يستخدم لوصف الأشياء التي كشفت، أو تمّ الكشف عنها ليقدموا اعمالا معاصرة استخدموا فيها كل التقنيات المتاحة لهم كأدوات للتعبير والطرح، حيث كانت فكرة عنوان المعرض هذا العام "سفر" حاضرة قبل البدء في المعرض فعمل الثنائي سام بردويل وتيل فيلراث على تنظيم رحلات دراسية استكشافية دولية لمدينة برلين وكوريا كجزء من برنامج تعليمي مدته سنة واحدة بصحبة ستة فنانين سعوديين ناشئة شاركوا في هذه الجولات، وأسسوا لجان خاصة لنسخة 2017 ل21،39 فن جدة ليستكشفوا فكرة السفر والحركة كوسيلة للتعلم والنموّ. يشار إلى أن مبادرة "21،39 فن جدة" هي مبادرة غير ربحية أطلقها المجلس الفني السعودي تتضمن عدداً من المعارض الفنية والثقافية، وورش العمل، إلى جانب اللقاءات التعليمية والندوات المختلفة والرحلات المدرسية، وتستوحي اسمها من الإحداثيات الجغرافية لمدينة جدة (21.5433° شمالاً، 39.1728° شرقاً). يذكر بأن المجلس الفني السعودي تأسس عام 2014 وهو منظمة غير ربحية تسعى لتعزيز الفن والثقافة بالمملكة العربية السعودية، ودعم الإبداع على الصعيد المحلي وعلى الصعيد الوطني، ويتألف المجلس من مجموعة من محبي الفن المحليين الذين يرغبون في المساهمة في المجتمع من خلال تعزيز الفن والثقافة بالمملكة العربية السعودية، ودعم الإبداع على الصعيد المحلي وعلى الصعيد الوطني، ويتألف المجلس من مجموعة من محبي الفن المحليين الذين يرغبون في المساهمة في المجتمع من خلال تعزيز الفن والثقافة.