أصبحت ظاهرة التسول في الآونة الأخيرة بالمملكة مهنة يحترفها بعض المواطنين والوافدين وخاصة في الحرمين الشريفين وإشارات المرور، حتى أصبح التسول ملجأ لكثير من العاطلين والمستسهلين طلب الرزق، فباتت هذه الظاهرة -التي بحث أسبابها الكثيرون وحقق في نتائجها وخطورتها على المجتمع العديد من الكتاب- مرضا خطير يضرب جذور المجتمع ويهدد بمحو صورته الحضارية. وبالرغم من حرص المملكة على مكافحة هذه الظاهرة برعاية الفقراء الذين توجد لهم بيانات تدلل على فقرهم، إلا أنها لم تستطع حتى الآن القضاء على هذه الظاهرة نظرا لأنها أصبحت مهنة يحترفها البعض وليست ضرورة أو حاجة تضطر المرء من خلالها للسؤال والطلب. وسائل التسول تتعدد وسائل التسول وصوره، وأشكال القائمين عليه بحسب التطور العصري للمتسول الذي يبتغي في نهاية الطريق استعطاف قلب البعض والحصول على ما في جيوبهم، حتى أن منهم من أصبح يستخدم أدوات تكنولوجية حديثة خلال التسول، ويعتمد البعض الآخر على مشاهد تمثيلية قد تنحى بعيدا عن التسول ولكنها أصبحت طريقة حديثة للنصب على البسطاء من المواطنين، كأن يدعي أحدهم فقد محفظته أو سرقة ماله ويريد الذهاب للبيت ولا يجد مالا يسافر به، أو مباغتة البعض وهو في أحد المطاعم الفاخرة من قبل أحد المتسولين الذين ينجحون في الحصول على وجبة فاخرة من التي يأكل منها "الزبون" والتي قد يزيد ثمنها عن الخمسين ريالا. جهود أمنية وفي هذا الإطار، أوضح الناطق الإعلامي بشرطة منطقة مكةالمكرمة المقدم عاطي بن عطية القرشي في تصريح خاص ل"تواصل"، أن الأشخاص الذين يمارسون التسول في الشوارع والمرافق العامة يتم التعامل معهم عن طريق جهات أمنية مشتركة بالتعاون مع مكتب مكافحة التسول، مؤكداً بأن هذه الظاهرة تعد من الجرائم المخالفة للنظام. وبيَّن أن من يتم ضبطه ممارساً لهذه المخالفة من المواطنين تقوم الجهات المختصة بإحالة أوراقه للشؤون الاجتماعية لإكمال الإجراءات اللازمة، وفي حالة التثبت من قيامه بعمليات الاحتيال وجمع الأموال بطريقة غير نظامية يتم التحفظ عليه وإحالة أوراقه لهيئة التحقيق والادعاء العام لتطبيق النظام بحقه. وأكد المقدم القرشي أن من يتم ضبطه من المقيمين في مثل تلك الحالات يتم إحالته للجهات المختصة للنظر في أوراقه وتطبيق النظام بحقه، مشيراً إلى أن العقوبة قد تصل إلى الترحيل من البلاد. وتقوم الشرطة والجهات الأمنية بجهود كبيرة في الحد من هذه الظاهرة ومحاربتها، حيث تلقي الشرطة كل يوم على العشرات بل المئات من المتسولين وتقوم بترحيلهم إذا كانوا من الوافدين، حتى أن شرطة المنطقة الشرقية ألقت القبض على 72 حالة تسول خلال شهر ربيع الثاني المنصرم، ضمن سلسلة الحملات الأمنية التي تقوم بها قوة المهام والواجبات الخاصة لمكافحة ظاهرة التسول. وقالت -شرطة المنطقة الشرقية- في بيان لها إن عملية المسح الميداني لهذه الظاهرة تمت بعد جمع معلومات دقيقة ومتابعة سرية لأماكن توزيعهم وتواجدهم وأسفرت عن ضبط 72 حالة تسول بينهم 46 امرأة، و8 رجال, و18 طفلا، فيما بلغت نسبة الأجانب منهم 65%. فضلا عن مواجهات الشرطة للمتسولين في مختلف المناطق وخاصة في الحرمين وإشارات المرور في الميادين العامة وفي المحلات والمولات الكبيرة. وطالبت الجهات الأمنية من المواطنين والمقيمين بعدم التعاطف مع المتسولين والانقياد إلى خدعهم وأكاذيبهم، مما يؤدي إلى زيادة تواجدهم بالشوارع. متسولون ولكن أغنياء والغريب، أننا أصبحنا نسمع ونقرأ أن متوسط دخل المتسول في الشهر الواحد يبلغ عشرات آلاف الريالات، دون جهد يذكر. ولعل من الظواهر التي قد تصيب دهشة بعض المواطنين تجاه سلوكيات المتسولين بمختلف أشكالها، هو اكتشاف الأهالي في أحد الأحياء بمحافظة جدة أن جارتهم المتسولة الكفيفة التي قضت نحو ربع قرن في التسول، مليونيرة خلفت وراءها ثروة كبيرة تقدر بنحو ثلاثة ملايين ريال ومجوهرات وجنيهات بقيمة مليون ريال، في الوقت الذي استطاع فيه مواطن تصوير متسوّلة من جنسية أفريقية وهي تستخدم جوالاً حديثاً خلال انتظارها خروج المصلين من أحد المساجد. ظواهر أخرى قد تتسبب في غضب المواطنين من المتسولين مثل تعمد المتسول الوقوف أمام السيارات في إشارات المرور، حتى أن متسولة "حامِل" عرّضت نفسها وطفلها للخطر – فضلاً عن سائقي المركبات والمارة الواقفين عند الإشارة المرورية- في شارع العليا العام وسط الرياض، أثناء ممارستها التسول في الشارع غير مبالية بالعواقب، في الوقت الذي ألقت إدارة مكافحة التسول بالتعاون مع الدوريات الأمنية بتبوك القبض على وافد عربي مخالف لنظام الإقامة امتهن التسول باستخدام السحر. دور الدولة في محاربة الفقر ولأن الفقراء والبسطاء وذوى الدخل المحدود في مقدمة اهتمامات الدولة، كان من الطبيعي أن تحتل قضية مكافحة الفقر الأولوية في سياسات المسؤولين، وأن تعمل الدولة بكافة أجهزتها على حل هذه المشكلة التي تعوِّق برامج التنمية الطموحة وتتسبب في مشكلات اجتماعية عديدة على وجه الخصوص. وأثمرت جهود الدولة عن تأسيس الصندوق الخيري لمكافحة الفقر بأمر حكومي في عام 1424، ليكون إحدى الآليات الفاعلة للاستراتيجية الوطنية لمكافحة هذه الظاهرة ومعالجة آثارها في المملكة. وتتضمن برامج الصندوق برنامج التوعية والتوجيه، وبرنامج التشغيل بمجالاته الخمسة وهي التجاري، الصناعي، الزراعي، الخدمي والتشغيل الحرفي، وبرنامج الأسر المنتجة، وبرنامج وسيط الخير، وبرنامج التأهيل الخيري، وبرنامج المساعدات غير الأساسية. ونظرا لأهمية هذا الصندوق ودوره في مكافحة الفقر يتم دعمه سنويا بمبلغ ثلاثمائة مليون ريال حتى يستطيع تحقيق أهدافه، ويُموّل من خلال مخصصات الدولة والإعانات المالية والعينية بالإضافة إلى الأوقاف والتبرعات العينية والمادية والصدقات والزكوات التي تدفع مباشرة من الأفراد والمؤسسات والشركات والعوائد المالية التي يحصل عليها الصندوق من استثمار أصوله وممتلكاته. كما يحظى الأيتام في المملكة برعاية خاصة من خادم الحرمين الشريفين، ففي إطار استراتيجية مكافحة الفقر زادت المخصصات المقدمة للأيتام ذوي الظروف الخاصة ومن في حكمهم بمبلغ اثنين وثمانين مليون ريالا سنويا، وتشمل إعانات الأسر الحاضنة والإعانات المدرسية ومكافأة نهاية الحضانة وإعانات الزواج ومكافآت المقيمين في دور رعاية الأيتام. دور المؤسسات الخيرية وتسهم المؤسسات الخيرية والأهلية بالمملكة إسهاماً فاعلاً ومؤثرا في مكافحة ظاهرة الفقر، ويلاحظ الجميع ذلك الإسهام ومدى تقدمه في كافة النواحي المتعلقة بموضوع معالجة الفقر والحد من انتشاره، فقد تطور دور المؤسسات والجمعيات الخيرية من مجرد تقديم المساعدات المالية إلى توفير الخدمات المباشرة وغير المباشرة التي تساعد الفقراء على وجه الخصوص بالاعتماد على النفس من خلال تنمية مهاراتهم عن طريق برامج التعليم والتثقيف والتأهيل. وقد اهتمت الدولة بتطوير أداء الجمعيات الخيرية، فزادت مخصصاتها من مائة مليون ريال إلى ثلاثمائة مليون سنويا. ويزيد عدد الجمعيات الخيرية بالمملكة عن 600 جمعية منها 70 جمعية خيرية نسائية، ويصل عدد أعضائها العاملين 5,564 موظفا وموظفة. ومع كل الجهود التي تقوم بها هذه الجمعيات فضلا عن جهود الدولة ذاتها، إلا أن ظاهرة التسول ما زالت واضحة وجلية يزداد فيها عدد المتسولين وتزداد فيها أساليبهم. المصدر: تواصل