سبحان من يرى تقلب قلوب عباده على اختلاف أشكالهم وألوانهم وتعدد لغاتهم، ومن يدرك بعظمته ضعف تلك القلوب أمام جبروته.. وسبحان من أودع في تلك القلوب ما قصرت أفهام البشر عن إدراكه... قلب ينبض بذكر الله تسبيحًا وتعظيمًا، وقلب ينبض لكنه في عداد الأموات.. إنه ذلك القلب الذي خسف بعد أن اكتمل، نعم يا كرام: فبعض القلوبنسأل الله العافية والثبات على الحقأصحابها في عمر يُحسب أنهم ناضجون، وفي حقيقة الأمر هم غافلون( يحملون قلوبًا فارغة) تنبض بالدم فقط، ويعاد ذلك الدم عبر شرايينها وأوردتها كما كان، دورة أشبه ما يكون القلب فيها بآلة تضخ الدم خاليًا من كل مكون، فلا حياة لذلك القلب ولا ارتباط بمن خلقه وأبدع صنعه.. مالذي جعل بعض القلوب على هذا الحال؟؟ قال الله تعالى : { كَلَّا ۖ بَلْ ۜ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ } عن أبي هريرة-رضي الله عنه- قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن المؤمن إذا أذنب كانت نكتة سوداء في قلبه فإن تاب ونزع واستغفر صقل قلبه فإن زاد زادت حتى تعلو قلبه وذاك الران الذي ذكر الله في القرآن ( كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ) " . وقال الحسن البصري : هو الذنب على الذنب حتى يعمى القلب فيموت. القراء الكرام: القلب يمرض كغيره من أعضاء الجسم، ولأنه سيد تلك الأعضاء فإنه يؤثر عليها، وهو سلطانها الذي يقودها إما إلى الخير أو إلى الشر. روى مسلم في صحيحه عن النبي عليه الصلاة والسلام قوله: ( ألا وإنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً، إذا صَلَحَتْ، صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وإذا فَسَدَتْ، فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، ألا وهي القَلْبُ) هذا القلب الذي نرى من البعض كيف تكون قسوته، ونرى من البعض الآخر كيف أنه ممتلئ حب، وعطف، قد يتوقف نتيجة كثرة المعاصي، ثم ما يلبث أن يعود، وما سمي القلب قلبًا إلا لتقلبه وتغيره. قال شهر بن حوشب : قُلتُ لأمِّ سلمةَ : يا أمَّ المؤمنينَ ما كانَ أَكْثرُ دعاءِ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ إذا كانَ عندَكِ ؟ قالَت : كانَ أَكْثرُ دعائِهِ : يا مُقلِّبَ القلوبِ ثبِّت قلبي على دينِكَ قالَت : فقُلتُ : يا رسولَ اللَّهِ ما أكثرُ دعاءكَ يا مقلِّبَ القلوبِ ثبِّت قلبي على دينِكَ ؟ قالَ : يا أمَّ سلمةَ إنَّهُ لَيسَ آدميٌّ إلَّا وقلبُهُ بينَ أصبُعَيْنِ من أصابعِ اللَّهِ ، فمَن شاءَ أقامَ ، ومن شاءَ أزاغَ . يقول الله تعالى: { رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} من هنا يا كرام: ندرك أن الحي لا تؤمن عليه الفتنة؛ لذا لابد له من تعاهد قلبه وما يحويه ذلك القلب، فالسلوك الذي يظهر للعيان ليس إلا محتوى ذلك القلب، وقناعة وتوجيه العقل. كونوا أصحاب فطنة، وتأملوا الغاية من خلقكم.. إِذا نادى الهوى والعقلُ يوماً فصوتُ العقلِ أولى أن يجابا أيها القراء: سنن الالتزام، والوفاء بما أوجب الله، والمداومة عليه، ومجاهدة النفس في ذلك، والصبر والتصبر،من أعجب الأمور التي يعيشها المرء، ويراها في غيره، ويعظمها مهما بلغت مجاهدة النفس فيها.. إنها الطاعة والخضوع، قال تعالى: { يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ ۖ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ } همسة: لتكن قلوبنا دليلًا لنا إلى كل خير، ولنوقضها بين الحين والآخر؛ حتى لا تموت..