إذا كانت الجينات هي الوحدات الأساسية للوراثة في الكائنات الحية .. فإنها أحد المعجزات الربانية التي أودعها الله في خلقه والمسؤولة عن الوظائف الحيوية في الجسم. لكنني هنا أتحدث من منظور ( آخر) وهو تلك الخصوبة الموروثة التي تنتقل من جيل إلى جيل لا في صفاتها الجسمية .. ولكن في صفاتها الأخلاقية من السمو والطيبة والعطاء وخدمة الخلق والصلاح والإصلاح الذي جعله الله ( جينا) موروثا وسنة ربانية جزاء لكل من كان معطاء لدينه ومصلحا في دنياه. خصوبة الجينات الاجتماعية لفتة أطرحها لنحلق في معانيها ونرى مدى اثرها في الحياة الاجتماعية. هذا المعنى ( الجينات الخصبة) ابتداء يؤكده كتاب الله حيث إن ميراث الكتاب كان للذين اصطفاهم سبحانه وصفتهم التي زرعت فيهم وفي أجيالهم اللاحقة أنهم ( يهدون بأمرنا). ثم في آل عمران قال ( إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين) لماذا ؟ لأنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعون الله رغبا ورهبا وكانوا لله خاشعين. فهؤلاء الأنبياء المذكورين كانوا يتوارثون من بعضهم مكارم الأخلاق وفضائلها (وهذه هي خصوبة الجينات التي أقصدها) ثم هي صفات الصالحين المصلحين أنهم لا يعملون الخيرات فقط بل يسارعون فيها ويتسابقون إليها كم في سورة ( المؤمنون) آية61 ﴿أُولئِكَ يُسارِعونَ فِي الخَيراتِ وَهُم لَها سابِقونَ﴾ إذا المفهوم الاجتماعي ( السنني) الذي نتطارحه الآن هو نوع جديد من التفكير في ( الميراث الاجتماعي) الذي ينتقل من جيل لآخر وفق ما كانت عليه مسيرة الآباء والأجداد طال الزمن أو قصر. حتى عد بعض المفسرين الخير ( الكنز) الذي ساقه الله على يد ( الخضر) لليتيمين لا لكونهما يتيمين ولكن كان أبوهما صالحا .. إذا العلة في إقامة الجدار كانت ( وكان ابوهما صالحا) .. حتى يتم حفظ الكنز لهما. إذا الصلاح ( الموروث) كان الفاعل الأهم في هذا الحدث. وليس هو الأب المباشر بل قيل بأنه السادس او حتى العاشر. إذا ربما يدخر الله كنوزا نرثها لا لطبيعة الكد والمعاش المعتاد للناس حتى يورثوا المال وإنما الأعمال الصالحات بمختلف تنوعها تكسب المال وتورثه وتكسب المكانة والسمعة والأثر الطيب كذلك .. وهذا ملمح اجتماعي ( إيماني) نحتاج لتأمله والتفكير فيه وتداوله بين الناس لأثره الكبير في حياتنا وعلى مستقبل أجيالنا. حتى الذين يتحدثون عن الاستدامة أقول بأن هذا معنى عظيم يستحق أن يكون مسارا مهما للاهتمام. ( استدامة الخير). إذا الجينات الخصبة لا تنتقل من الوالدين او الأجداد فقط وتؤثر على قسمات الوجه ولون البشرة والطول والقصر .. وإنما تؤثر بما هو أهم من ذلك وهو العطاء والصلاح والبذل لسعادة البشر وهدايتهم. ومن جميل هدايات هذا المعنى أن نعي ونستوعب وأن نعلم ونتعلم ونعلِّم الجميع بأن صدقات أفعالنا لا يتوقف اثرها على افعالنا الحالية وإنما يدخرها الله في أجيالنا ثم تكون لنا موازينها العظمى يوم نلقاه. وحينما يتفهم الناس مثل هذا المعنى العظيم ( الجينات الخصبة) فإنما يزيدون من أعمالهم الصالحة التي تخدم البلاد والعباد ويؤدون أماناتهم وأعمالهم بكل صدق ومسؤولية. وتأملوا مواقف الصحابة والتابعين واعمالا جليلة لرجالات ونساء في تاريخنا. إمام التابعين سعيد ابن المسيب كان يقول " إني لأصلي فأذكر ولدي فأزيد في صلاتي رجاء أن أُحفَظَ فيه". وعن احد التابعين قوله لابنه ( إني لأزيد في صلاتي من أجلك يا بني" !! ومما لا يخفى آثار تربية النساء الصالحات على ظاهرة العلم والعلماء في تاريخنا .. فكم من عِلم وعَلَم وإمام كأحمد بن حنبل والبخاري وغيرهم كانوا نتاجا لأمهات صالحات .. وكم كان لهم ولغيرهم من الآثار الخصبة في حياتنا إلى يومنا هذا ومستقبلنا. ( أوليست هذه خصوبة) ؟ !! إنها خصوبة متدفقة بقوة نظير كمية الصلاح والإصلاح الذي تحمله بين مكوناتها. بل إن صلاح الرجل والمرأة يحفظ الله به الاقربين والأحداث والظواهر والمظاهر وكل ذلك حسب تقدير الله وفضله ورحمته وحسب كمية ( الخصوبة الصالحة التي تتكاثر في واقع الناس). يحكى عن محمد بن المنكدر انه قال " أن الله ليحفظ بالرجل الصالح ولده وولد ولده والدويرات التي حوله ؛ فما يزالون في حفظ من الله وستر"!!. ونحن نشهد ونقرأ كم ورث العلماء من علماء .. وكم ورثت الاسر التي لها اثر من قيادات .. وواقعنا يشهد على هذه الحقيقة السننية الباقية ما بقيت خصوبة الخير فينا وفي أجيالنا. ولا تزال تتوارد الافكار حول هذا المعنى الخصب ( الجينات الخصبة) لكنني آثرت أن لا يطول المقام والمقال فآثرت عدة جوانب لتأملها والتفكير فيها لكل من يقرأ هذه السطور. والأمل أن تكون بحثا في المستقبل القريب. جعل الله بذوركم خصبة وآثاركم جمة تعود على دينكم ودنياكم وذرياتكم بكل خير وصلاح وفلاح في الدنيا والآخرة.